ب بادي 7.

المصحف وورد /رسم القلب الكهربي /تلاوات للقران الكريم /مراجعات الصف الأول الثانوي ترم ثاني /الخلاصة في المراجعات أولي ثانوي تثاني /مدونة اللغة العربية.كتب ومراجع /لغة عربية أولي ثانوي ت2 /ترتيب آيات الذكر الحكيم حسب تاريخ نزوله /تنزيل آيات الذكر /لماذا شرع الله تعالي الطلاق /وصف الجنة والحورالعين /كيف يكون الطلاق وما هي أحكام سورة الطلاق؟ /الكيمياء للصف الأول الثانوي /أحكام عدة النساء وكيفية الطلاق /الحائرون الملتاعون من الطلاق ونار الفراق دين الله أرحم من اختلافات الرجال /مذكرات كل فروع الرياضيات /المصحفُ مكتوباً بصيغة وورد /تقنية النانو /مدونة سورة البقرة /مذكرات مراجعة اللغة الإنجليزية /مذكرة مراجعات الفيزياء أولي ث ترم 2 / سورة النساء.تفسير وأحكام /المصحف مكتوبا ورد آية آية /ة المصاحف /مدونة سورة آل عمران /مدونة الجنة ونعيمها والنار وهول جحيمها /اللغة الألماني للصف الأول الثانوي /التاريخ اولي ثانوي /مذكرات الصف الأول الثانوي /اللغة العربية للصف الاول والثالث الثانوي /الاحياء للصف الأول الثانوي

Translate ترجمة المدونة

الجمعة، 17 فبراير 2017

75 يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ

[ ص: 483 ](يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ( 176 ) ) .

قَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ : آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ : " بَرَاءَةٌ " ، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ ) .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ ، قَالَ : فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ - أَوْ قَالَ صُبُّوا عَلَيْهِ - فَعَقِلْتُ فَقُلْتُ : إِنَّهُ لَا يَرِثُنِي إِلَّا كَلَالَةٌ ، فَكَيْفَ الْمِيرَاثُ ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ .

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ ، وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، بِهِ . وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ : فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) الْآيَةَ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ - يَعْنِي جَابِرًا - : نَزَلَتْ فِيَّ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) .

وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - ( يَسْتَفْتُونَكَ ) : عَنِ الْكَلَالَةِ قُلْ : اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهَا ، فَدَلَّ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَتْرُوكِ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْكَلَالَةِ وَاشْتِقَاقِهَا ، وَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْإِكْلِيلِ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ مِنْ جَوَانِبِهِ ; وَلِهَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ : بِمَنْ يَمُوتُ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ) [ أَيْ مَاتَ ] ( لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) .

وَقَدْ أُشْكِلَ حُكْمُ الْكَلَالَةِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ : الْجَدُّ ، وَالْكَلَالَةُ ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلَالَةِ ، حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ : " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ " .

هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا .

[ ص: 484 ]

طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ [ الْإِمَامُ ] أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ - يَعْنِي ابْنَ مِغْوَلٍ - سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ عَمْرٍو ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَقَالَ : " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ " . فَقَالَ : لَأَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي حُمْرُ النَّعَمِ . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ عُمَرَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَقَالَ : " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ " . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ، بِهِ . وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الصَّيْفِ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَمَّا أَرْشَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَفَهُّمِهَا - فَإِنَّ فِيهَا كِفَايَةً - نَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَعْنَاهَا ; وَلِهَذَا قَالَ : فَلَأَنْ أَكُونُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي حُمْرُ النَّعَمِ .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَقَالَ : " أَلَيْسَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ ؟ " فَنَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ] ) الْآيَةَ . وَقَالَ قَتَادَةُ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : أَلَا إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ " سُورَةِ النِّسَاءِ " فِي شَأْنِ الْفَرَائِضِ ، أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ . وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ أَنْزَلَهَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ . وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا " سُورَةَ النِّسَاءِ " أَنْزَلَهَا فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا " سُورَةَ الْأَنْفَالِ " أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَامِ ، بَعْضِهِمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، مِمَّا جَرَّتِ الرَّحِمُ مِنَ الْعَصَبَةِ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .

ذِكْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهَا وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ :

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ) أَيْ : مَاتَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) [ الْقَصَصِ : 88 ] كُلُّ شَيْءٍ يَفْنَى وَلَا يَبْقَى إِلَّا اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا قَالَ : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [ الرَّحْمَنِ : 26 ، 27 ] .

وَقَوْلُهُ : ( لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَالِدِ ، بَلْ يَكْفِي فِي وُجُودِ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَوَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ . وَلَكِنَّ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَضَاءُ الصِّدِّيقِ : أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا [ ص: 485 ] وَالِدَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ) وَلَوْ كَانَ مَعَهَا أَبٌ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ يَحْجُبُهَا بِالْإِجْمَاعِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَلَا وَالِدَ بِالنَّصِّ عِنْدَ التَّأَمُّلِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ مَعَ الْوَالِدِ ، بَلْ لَيْسَ لَهَا مِيرَاثٌ بِالْكُلِّيَّةِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ مَكْحُولٍ وَعَطِيَّةَ وَحَمْزَةَ وَرَاشِدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَأَعْطَى الزَّوْجَ النِّصْفَ وَالْأُخْتَ النِّصْفَ . فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِذَلِكَ .

تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَيِّتِ تَرَكَ بِنْتًا وَأُخْتًا : إِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِقَوْلِهِ : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ) قَالَ : فَإِذَا تَرَكَ بِنْتًا فَقَدْ تَرَكَ وَلَدًا ، فَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ ، وَخَالَفَهُمَا الْجُمْهُورُ ، فَقَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالْفَرْضِ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ الْآخَرُ بِالتَّعْصِيبِ ، بِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذِهِ نَصْبٌّ أَنْ يُفْرَضَ لَهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَأَمَّا وِرَاثَتُهَا بِالتَّعْصِيبِ ; فَلِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، قَالَ : قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : النِّصْفُ لِلِابْنَةِ ، وَالنِّصْفُ لِلْأُخْتِ . ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ : قَضَى فِينَا وَلَمْ يَذْكُرْ : عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ : سُئِلَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ ، فَقَالَ : لِلِابْنَةِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي . فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ - وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى - فَقَالَ : لَقَدْ ضَلَلْتُ إذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِابْنَةِ النِّصْفَ ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ ، تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ : لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ .

وَقَوْلُهُ : ( وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ) أَيْ : وَالْأَخُ يَرِثُ جَمِيعَ مَا لَهَا إِذَا مَاتَتْ كَلَالَةً ، وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ ، أَيْ : وَلَا وَالِدَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا وَالِدٌ لَمْ يَرِثِ الْأَخُ شَيْئًا ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ مَعَهُ مَنْ لَهُ فَرْضٌ ، صُرِفَ إِلَيْهِ فَرْضُهُ ; كَزَوْجٍ ، أَوْ أَخٍ مِنْ أُمٍّ ، وَصُرِفَ الْبَاقِي إِلَى الْأَخِ ; لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ " .

وَقَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ) أَيْ : فَإِنْ كَانَ لِمَنْ يَمُوتُ كَلَالَةً ، أُخْتَانِ ، فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ ، وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ فِي حُكْمِهِمَا ، وَمِنْ هَاهُنَا أَخَذَ الْجَمَاعَةُ حُكْمَ الْبِنْتَيْنِ كَمَا اسْتُفِيدَ حُكْمُ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْبَنَاتِ ، فِي قَوْلِهِ : ( فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ) .

وَقَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) . هَذَا حُكْمُ الْعَصَبَاتِ مِنَ الْبَنِينَ وَبَنِي الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ إِذَا اجْتَمَعَ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ ، أُعْطِيَ الذَّكَرُ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .

[ ص: 486 ]

وَقَوْلُهُ : ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ ) أَيْ : يَفْرِضُ لَكُمْ فَرَائِضَهُ ، وَيَحُدُّ لَكُمْ حُدُودَهُ ، وَيُوَضِّحُ لَكُمْ شَرَائِعَهُ .

وَقَوْلُهُ : ( أَنْ تَضِلُّوا ) أَيْ : لِئَلَّا تَضِلُّوا عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيَانِ . ( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) أَيْ : هُوَ عَالَمٌ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَمَصَالِحِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ لِعِبَادِهِ ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَرَابَاتِ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنَ الْمُتَوَفَّى .

وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ ، أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانُوا فِي مَسِيرٍ ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ عُمَرَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ . قَالَ : وَنَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) فَلَقَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ ، فَلَقَّاهَا حُذَيْفَةُ عُمَرَ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَ عُمَرُ عَنْهَا حُذَيْفَةَ فَقَالَ : وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحْمَقُ إِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَقَّانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيْتُكَهَا كَمَا لَقَّانِيهَا ، وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا . قَالَ : فَكَانَ عُمَرُ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ بَيَّنْتَهَا لَهُ فَإِنَّهَا لَمْ تُبَيَّنْ لِي .

كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ بِنَحْوِهِ . وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ ابْنِ سِيرِينَ وَحُذَيْفَةَ ، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ فِي : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : " نَزَلَتِ الْكَلَالَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسِيرٍ لَهُ ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا هُوَ بِحُذَيْفَةَ ، وَإِذَا رَأَسُ نَاقَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُؤْتَزَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَقَّاهَا إِيَّاهُ ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَقَّاهَا إِيَّاهُ ، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ نَظَرَ عُمَرُ فِي الْكَلَالَةِ ، فَدَعَا حُذَيْفَةَ فَسَأَلَهُ عَنْهَا ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : لَقَدْ لَقَّانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيْتُكَ كَمَا لَقَّانِي ، وَاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ ، وَوَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَبَدًا .

ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ : وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ إِلَّا حُذَيْفَةَ ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ حُذَيْفَةَ إِلَّا هَذَا الطَّرِيقَ ، وَلَا رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ إِلَّا عَبْدُ الْأَعْلَى . وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى .

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدٍ - [ هُوَ ] ابْنُ الْمُسَيَّبِ - أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُوَرِّثُ الْكَلَالَةَ ؟ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ] ) الْآيَةَ ، قَالَ : فَكَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَفْهَمْ . فَقَالَ لِحَفْصَةَ : إِذَا رَأَيْتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْسٍ فَسَلِيهِ عَنْهَا ، فَرَأَتْ مِنْهُ طِيبَ نَفْسٍ فَسَأَلَتْهُ عَنْهَا ، فَقَالَ : " أَبُوكِ ذَكَرَ لَكِ هَذَا ؟ مَا [ ص: 487 ] أَرَى أَبَاكِ يَعْلَمُهَا " . قَالَ : وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ : مَا أَرَانِي أَعْلَمُهَا ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ .

رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ طَاوُسٍ : أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ حَفْصَةَ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَأَمْلَاهَا عَلَيْهَا فِي كَتِفٍ ، فَقَالَ : " مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا ؟ أَعُمَرُ ؟ مَا أَرَاهُ يُقِيمُهَا ، أَوَمَا تَكْفِيهِ آيَةُ الصَّيْفِ ؟ " قَالَ سُفْيَانُ : وَآيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ ) ، فَلَمَّا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي هِيَ خَاتِمَةُ النِّسَاءِ ، فَأَلْقَى عُمَرُ الْكَتِفَ . كَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَهُوَ مُرْسَلٌ .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَثَّامٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : " أَخَذَ عُمَرُ كَتِفًا وَجَمَعَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : لَأَقْضِيَنَّ فِي الْكَلَالَةِ قَضَاءً تُحَدِّثُ بِهِ النِّسَاءُ فِي خُدُورِهِنَّ . فَخَرَجَتْ حِينَئِذٍ حَيَّةٌ مِنَ الْبَيْتِ ، فَتَفَرَّقُوا ، فَقَالَ : لَوْ أَرَادَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ يُتِمَّ هَذَا الْأَمْرَ لَأَتَمَّهُ . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ .

وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : لَأَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ : مَنِ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ ؟ وَعَنْ قَوْمٍ قَالُوا : نُقِرُّ فِي الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِنَا وَلَا نُؤَدِّيهَا إِلَيْكَ ، أَيَحِلُّ قِتَالُهُمْ ؟ وَعَنِ الْكَلَالَةِ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ . ثُمَّ رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مُرَّةَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : ثَلَاثٌ لَأَنَّ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَهُنَّ لَنَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا : الْخِلَافَةُ ، وَالْكَلَالَةُ ، وَالرِّبَا . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ : سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلَ يُحَدِّثُ ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : الْقَوْلُ مَا قُلْتُ : قُلْتُ : وَمَا قُلْتَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : الْكَلَالَةُ ، مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : اخْتَلَفْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْكَلَالَةِ ، وَالْقَوْلُ مَا قُلْتُ . قَالَ : وَذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ شَرَكَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلِلْأُمِّ ، وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي الثُّلُثِ إِذَا اجْتَمَعُوا ، وَخَالَفَهُ أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .

[ ص: 488 ]

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيُّ ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي الْجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا ، فَمَكَثَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا فَأَمْضِهِ ، حَتَّى إِذَا طَعِنَ دَعَا بِكِتَابٍ فَمُحِيَ ، وَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَا كَتَبَ فِيهِ . فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ كَتَبْتُ فِي الْجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا ، وَكُنْتُ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ فِيهِ ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَتْرُكَكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ .

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : إِنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ أُخَالِفَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ . وَكَأَنَّ أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : هُوَ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ .

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ ، فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ . وَقَوْلُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ قَاطِبَةً ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ، كَمَا أَرْشَدَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَوَضَّحَهُ فِي قَوْلِهِ : ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .

74 يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا...يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ...

(يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ( 174 ) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ( 175 ) )

يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا جَمِيعَ النَّاسِ وَمُخْبِرًا بِأَنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مِنْهُ بُرْهَانٌ عَظِيمٌ ، وَهُوَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ لِلْعُذْرِ ، وَالْحُجَّةُ الْمُزِيلَةُ لِلشُّبْهَةِ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ) أَيْ : ضِيَاءً وَاضِحًا عَلَى الْحَقِّ ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ : وَهُوَ الْقُرْآنُ .

( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ ) أَيْ : جَمَعُوا بَيْنَ مَقَامَيِ الْعِبَادَةِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ . وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِالْقُرْآنِ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .

( فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ) أَيْ : يَرْحَمُهُمْ فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ وَيَزِيدُهُمْ ثَوَابًا وَمُضَاعَفَةً وَرَفْعًا فِي دَرَجَاتِهِمْ ، مِنْ فَضْلِهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ ، ( وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ) أَيْ : طَرِيقًا وَاضِحًا قَصْدًا قَوَامًا لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا انْحِرَافَ . وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى مِنْهَاجِ الِاسْتِقَامَةِ وَطَرِيقِ السَّلَامَةِ فِي جَمِيعِ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ ، وَفِي الْآخِرَةِ عَلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُفْضِي إِلَى رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ . وَفِي حَدِيثِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الْقُرْآنُ صِرَاطُ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمُ وَحَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ " . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
75                                                                             
[ص: 483](يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ( 176 ) ) .

قَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ : آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ : " بَرَاءَةٌ " ، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ ) .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ ، قَالَ : فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ - أَوْ قَالَ صُبُّوا عَلَيْهِ - فَعَقِلْتُ فَقُلْتُ : إِنَّهُ لَا يَرِثُنِي إِلَّا كَلَالَةٌ ، فَكَيْفَ الْمِيرَاثُ ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ .

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ ، وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، بِهِ . وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ : فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) الْآيَةَ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ - يَعْنِي جَابِرًا - : نَزَلَتْ فِيَّ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) .

وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - ( يَسْتَفْتُونَكَ ) : عَنِ الْكَلَالَةِ قُلْ : اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهَا ، فَدَلَّ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَتْرُوكِ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْكَلَالَةِ وَاشْتِقَاقِهَا ، وَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْإِكْلِيلِ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ مِنْ جَوَانِبِهِ ; وَلِهَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ : بِمَنْ يَمُوتُ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ:(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ )[ أَيْ مَاتَ ] ( لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) .

وَقَدْ أُشْكِلَ حُكْمُ الْكَلَالَةِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ : الْجَدُّ ، وَالْكَلَالَةُ ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلَالَةِ ، حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ : " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ " .

هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا[ص: 484 ]

طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ [ الْإِمَامُ ] أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ - يَعْنِي ابْنَ مِغْوَلٍ - سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ عَمْرٍو ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَقَالَ : " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ " . فَقَالَ : لَأَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي حُمْرُ النَّعَمِ . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ عُمَرَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَقَالَ : " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ " . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ، بِهِ . وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الصَّيْفِ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَمَّا أَرْشَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَفَهُّمِهَا - فَإِنَّ فِيهَا كِفَايَةً - نَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَعْنَاهَا ; وَلِهَذَا قَالَ : فَلَأَنْ أَكُونُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي حُمْرُ النَّعَمِ .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَقَالَ : " أَلَيْسَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ ؟ " فَنَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ] ) الْآيَةَ . وَقَالَ قَتَادَةُ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : أَلَا إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ " سُورَةِ النِّسَاءِ " فِي شَأْنِ الْفَرَائِضِ ، أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ . وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ أَنْزَلَهَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ . وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا " سُورَةَ النِّسَاءِ " أَنْزَلَهَا فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا " سُورَةَ الْأَنْفَالِ " أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَامِ ، بَعْضِهِمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، مِمَّا جَرَّتِ الرَّحِمُ مِنَ الْعَصَبَةِ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .

ذِكْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهَا وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ :

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ) أَيْ : مَاتَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) [ الْقَصَصِ : 88 ] كُلُّ شَيْءٍ يَفْنَى وَلَا يَبْقَى إِلَّا اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا قَالَ : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [ الرَّحْمَنِ : 26 ، 27 ] .

وَقَوْلُهُ : ( لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَالِدِ ، بَلْ يَكْفِي فِي وُجُودِ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَوَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ . وَلَكِنَّ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَضَاءُ الصِّدِّيقِ : أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا [ ص: 485 ] وَالِدَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ) وَلَوْ كَانَ مَعَهَا أَبٌ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ يَحْجُبُهَا بِالْإِجْمَاعِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَلَا وَالِدَ بِالنَّصِّ عِنْدَ التَّأَمُّلِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ مَعَ الْوَالِدِ ، بَلْ لَيْسَ لَهَا مِيرَاثٌ بِالْكُلِّيَّةِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ مَكْحُولٍ وَعَطِيَّةَ وَحَمْزَةَ وَرَاشِدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَأَعْطَى الزَّوْجَ النِّصْفَ وَالْأُخْتَ النِّصْفَ . فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِذَلِكَ .

تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَيِّتِ تَرَكَ بِنْتًا وَأُخْتًا : إِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِقَوْلِهِ : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ) قَالَ : فَإِذَا تَرَكَ بِنْتًا فَقَدْ تَرَكَ وَلَدًا ، فَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ ، وَخَالَفَهُمَا الْجُمْهُورُ ، فَقَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالْفَرْضِ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ الْآخَرُ بِالتَّعْصِيبِ ، بِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذِهِ نَصْبٌّ أَنْ يُفْرَضَ لَهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَأَمَّا وِرَاثَتُهَا بِالتَّعْصِيبِ ; فَلِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، قَالَ : قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : النِّصْفُ لِلِابْنَةِ ، وَالنِّصْفُ لِلْأُخْتِ . ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ : قَضَى فِينَا وَلَمْ يَذْكُرْ : عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ : سُئِلَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ ، فَقَالَ : لِلِابْنَةِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي . فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ - وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى - فَقَالَ : لَقَدْ ضَلَلْتُ إذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِابْنَةِ النِّصْفَ ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ ، تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ : لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ .

وَقَوْلُهُ : ( وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ) أَيْ : وَالْأَخُ يَرِثُ جَمِيعَ مَا لَهَا إِذَا مَاتَتْ كَلَالَةً ، وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ ، أَيْ : وَلَا وَالِدَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا وَالِدٌ لَمْ يَرِثِ الْأَخُ شَيْئًا ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ مَعَهُ مَنْ لَهُ فَرْضٌ ، صُرِفَ إِلَيْهِ فَرْضُهُ ; كَزَوْجٍ ، أَوْ أَخٍ مِنْ أُمٍّ ، وَصُرِفَ الْبَاقِي إِلَى الْأَخِ ; لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ " .

وَقَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ) أَيْ : فَإِنْ كَانَ لِمَنْ يَمُوتُ كَلَالَةً ، أُخْتَانِ ، فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ ، وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ فِي حُكْمِهِمَا ، وَمِنْ هَاهُنَا أَخَذَ الْجَمَاعَةُ حُكْمَ الْبِنْتَيْنِ كَمَا اسْتُفِيدَ حُكْمُ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْبَنَاتِ ، فِي قَوْلِهِ : ( فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ) .

وَقَوْلُهُ :(وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) . هَذَا حُكْمُ الْعَصَبَاتِ مِنَ الْبَنِينَ وَبَنِي الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ إِذَا اجْتَمَعَ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ ، أُعْطِيَ الذَّكَرُ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [ص: 486]

وَقَوْلُهُ : ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ ) أَيْ : يَفْرِضُ لَكُمْ فَرَائِضَهُ ، وَيَحُدُّ لَكُمْ حُدُودَهُ ، وَيُوَضِّحُ لَكُمْ شَرَائِعَهُ .

وَقَوْلُهُ : ( أَنْ تَضِلُّوا ) أَيْ : لِئَلَّا تَضِلُّوا عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيَانِ.( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) أَيْ : هُوَ عَالَمٌ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَمَصَالِحِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ لِعِبَادِهِ ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَرَابَاتِ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنَ الْمُتَوَفَّى .

وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ ، أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانُوا فِي مَسِيرٍ ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ عُمَرَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ . قَالَ : وَنَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) فَلَقَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ ، فَلَقَّاهَا حُذَيْفَةُ عُمَرَ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَ عُمَرُ عَنْهَا حُذَيْفَةَ فَقَالَ : وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحْمَقُ إِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَقَّانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيْتُكَهَا كَمَا لَقَّانِيهَا ، وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا.قَالَ:فَكَانَ عُمَرُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ بَيَّنْتَهَا لَهُ فَإِنَّهَا لَمْ تُبَيَّنْ لِي .

كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ بِنَحْوِهِ . وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ ابْنِ سِيرِينَ وَحُذَيْفَةَ ، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ فِي : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : " نَزَلَتِ الْكَلَالَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسِيرٍ لَهُ ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا هُوَ بِحُذَيْفَةَ ، وَإِذَا رَأَسُ نَاقَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُؤْتَزَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَقَّاهَا إِيَّاهُ ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَقَّاهَا إِيَّاهُ ، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ نَظَرَ عُمَرُ فِي الْكَلَالَةِ ، فَدَعَا حُذَيْفَةَ فَسَأَلَهُ عَنْهَا ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : لَقَدْ لَقَّانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيْتُكَ كَمَا لَقَّانِي ، وَاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ ، وَوَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَبَدًا .

ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ : وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ إِلَّا حُذَيْفَةَ ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ حُذَيْفَةَ إِلَّا هَذَا الطَّرِيقَ ، وَلَا رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ إِلَّا عَبْدُ الْأَعْلَى . وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى .

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدٍ - [ هُوَ ] ابْنُ الْمُسَيَّبِ - أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُوَرِّثُ الْكَلَالَةَ ؟ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ] ) الْآيَةَ ، قَالَ : فَكَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَفْهَمْ . فَقَالَ لِحَفْصَةَ : إِذَا رَأَيْتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْسٍ فَسَلِيهِ عَنْهَا ، فَرَأَتْ مِنْهُ طِيبَ نَفْسٍ فَسَأَلَتْهُ عَنْهَا ، فَقَالَ : " أَبُوكِ ذَكَرَ لَكِ هَذَا ؟ مَا [ ص: 487 ] أَرَى أَبَاكِ يَعْلَمُهَا " . قَالَ : وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ : مَا أَرَانِي أَعْلَمُهَا ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ .

رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ طَاوُسٍ : أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ حَفْصَةَ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَأَمْلَاهَا عَلَيْهَا فِي كَتِفٍ ، فَقَالَ : " مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا ؟ أَعُمَرُ ؟ مَا أَرَاهُ يُقِيمُهَا ، أَوَمَا تَكْفِيهِ آيَةُ الصَّيْفِ ؟ " قَالَ سُفْيَانُ : وَآيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ ) ، فَلَمَّا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي هِيَ خَاتِمَةُ النِّسَاءِ ، فَأَلْقَى عُمَرُ الْكَتِفَ . كَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَهُوَ مُرْسَلٌ .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَثَّامٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : " أَخَذَ عُمَرُ كَتِفًا وَجَمَعَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : لَأَقْضِيَنَّ فِي الْكَلَالَةِ قَضَاءً تُحَدِّثُ بِهِ النِّسَاءُ فِي خُدُورِهِنَّ . فَخَرَجَتْ حِينَئِذٍ حَيَّةٌ مِنَ الْبَيْتِ ، فَتَفَرَّقُوا ، فَقَالَ : لَوْ أَرَادَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ يُتِمَّ هَذَا الْأَمْرَ لَأَتَمَّهُ . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ .

وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : لَأَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ : مَنِ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ ؟ وَعَنْ قَوْمٍ قَالُوا : نُقِرُّ فِي الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِنَا وَلَا نُؤَدِّيهَا إِلَيْكَ ، أَيَحِلُّ قِتَالُهُمْ ؟ وَعَنِ الْكَلَالَةِ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ . ثُمَّ رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مُرَّةَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : ثَلَاثٌ لَأَنَّ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَهُنَّ لَنَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا : الْخِلَافَةُ ، وَالْكَلَالَةُ ، وَالرِّبَا . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ : سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلَ يُحَدِّثُ ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : الْقَوْلُ مَا قُلْتُ : قُلْتُ : وَمَا قُلْتَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : الْكَلَالَةُ ، مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : اخْتَلَفْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْكَلَالَةِ ، وَالْقَوْلُ مَا قُلْتُ . قَالَ : وَذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ شَرَكَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلِلْأُمِّ ، وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي الثُّلُثِ إِذَا اجْتَمَعُوا ، وَخَالَفَهُ أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا[ ص: 488 ]

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيُّ ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي الْجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا ، فَمَكَثَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا فَأَمْضِهِ ، حَتَّى إِذَا طَعِنَ دَعَا بِكِتَابٍ فَمُحِيَ ، وَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَا كَتَبَ فِيهِ . فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ كَتَبْتُ فِي الْجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا ، وَكُنْتُ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ فِيهِ ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَتْرُكَكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ .

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : إِنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ أُخَالِفَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ . وَكَأَنَّ أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : هُوَ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ .

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ ، فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ . وَقَوْلُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ قَاطِبَةً ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ، كَمَا أَرْشَدَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَوَضَّحَهُ فِي قَوْلِهِ:(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .

آخر تفسير سورة النساء مصدر روابطه موقغ اسلام ويب والحمد لله رب العالمين

73 لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ

(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا( 172 ) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ( 173 ) )

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ) لَنْ يَسْتَكْبِرَ .

وَقَالَ قَتَادَةُ : لَنْ يَحْتَشِمَ ( الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ مِنْ ذَهَبَ إِلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ حَيْثُ قَالَ : ( وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ دِلَالَةٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَطَفَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْمَسِيحِ ; لِأَنَّ الِاسْتِنْكَافَ هُوَ الِامْتِنَاعُ ، وَالْمَلَائِكَةُ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسِيحِ ; فَلِهَذَا قَالَ : ( وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ أَقْوَى وَأَقْدَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونُوا أَفْضَلَ .

وَقِيلَ : إِنَّمَا ذُكِرُوا ; لِأَنَّهُمُ اتُّخِذُوا آلِهَةً مَعَ اللَّهِ ، كَمَا اتُّخِذَ الْمَسِيحُ ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ عُبَيْدٌ مِنْ عُبَيْدِهِ وَخَلْقٌ مَنْ خَلْقِهِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ . وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ] ) الْأَنْبِيَاءِ : [ 26 - 29 ] .

ثُمَّ قَالَ : ( وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ) أَيْ : فَيَجْمَعُهُمْ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ ، الَّذِي لَا يَجُورُ فِيهِ وَلَا يَحِيفُ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) يَعْنِي : فَيُعْطِيهِمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ وَيَزِيدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَامْتِنَانِهِ .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيِّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) قَالَ : [ ص: 482 ] أُجُورُهُمْ : أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ " . ( وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) قَالَ : " الشَّفَاعَةُ فِيمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ مِمَّنْ صَنَعَ إِلَيْهِمُ الْمَعْرُوفَ فِي دُنْيَاهُمْ " .

وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا يَثْبُتُ ، وَإِذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا فَهُوَ جَيِّدٌ 

( وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا ) أَيِ : امْتَنَعُوا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَاسْتَكْبَرُوا عَنْ ذَلِكَ ( فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ) كَمَا قَالَ تَعَالَى(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )[ غَافِرٍ:60]أَيْ :صَاغِرِينَ حَقِيرِينَ ذَلِيلِينَ ، كَمَا كَانُوا مُمْتَنِعِينَ مُسْتَكْبِرِينَ .

72 يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ

[ ص: 478 ](يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ( 171 ) )

يَنْهَى تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْإِطْرَاءِ ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي النَّصَارَى ، فَإِنَّهُمْ تَجَاوَزُوا حَدَّ التَّصْدِيقِ بِعِيسَى ، حَتَّى رَفَعُوهُ فَوْقَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا ، فَنَقَلُوهُ مِنْ حَيِّزِ النُّبُوَّةِ إِلَى أَنِ اتَّخَذُوهُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْبُدُونَهُ كَمَا يَعْبُدُونَهُ ، بَلْ قَدْ غَلَوْا فِي أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ ، مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ ، فَادَّعَوْا فِيهِمُ الْعِصْمَةَ وَاتَّبَعُوهُمْ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ ، سَوَاءٌ كَانَ حَقًا أَوْ بَاطِلًا أَوْ ضَلَالًا أَوْ رَشَادًا ، أَوْ صَحِيحًا أَوْ كَذِبًا ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [ التَّوْبَةِ : 31 ] .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ : زَعَمَ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " .

ثُمَّ رَوَاهُ هُوَ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَنَدُهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، بِهِ . وَلَفْظُهُ : " فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَجُلًا قَالَ : مُحَمَّدٌ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا ، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " . تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

وَقَوْلُهُ : ( وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ) أَيْ : لَا تَفْتَرُوا عَلَيْهِ وَتَجْعَلُوا لَهُ صَاحِبَةً وَوَلَدًا - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ وَتَوَحَّدَ فِي سُؤْدُدِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ - فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) أَيْ : إِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ ، قَالَ لَهُ : كُنْ فَكَانَ ، وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ، أَيْ : خَلَقَهُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا جِبْرِيلَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إِلَى مَرْيَمَ ، فَنَفْخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَكَانَ عِيسَى بِإِذْنِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَصَارَتْ تِلْكَ النَّفْخَةُ الَّتِي نَفَخَهَا فِي جَيْبِ دِرْعِهَا ، [ ص: 479 ] فَنَزَلَتْ حَتَّى وَلَجَتْ فَرْجَهَا بِمَنْزِلَةِ لَقَاحِ الْأَبِ الْأُمَّ وَالْجَمِيعُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ; وَلِهَذَا قِيلَ لِعِيسَى : إِنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحٌ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ تَوَلَّدَ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ نَاشِئٌ عَنِ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَ لَهُ بِهَا : كُنْ ، فَكَانَ . وَالرُّوحِ الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا جِبْرِيلُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ) [ الْمَائِدَةِ : 75 ] . وَقَالَ تَعَالَى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 59 ] . وَقَالَ تَعَالَى : ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 91 ] وَقَالَ تَعَالَى : ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ] ) [ التَّحْرِيمِ : 12 ] . وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ الْمَسِيحِ : ( إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ [ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ] ) [ الزُّخْرُفِ : 59 ] .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : ( وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) هُوَ كَقَوْلِهِ : ( كُنْ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 59 ] فَكَانَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ شَاذَّ بْنَ يَحْيَى يَقُولُ : فِي قَوْلِ اللَّهِ : ( وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) قَالَ : لَيْسَ الْكَلِمَةُ صَارَتْ عِيسَى ، وَلَكِنْ بِالْكَلِمَةِ صَارَ عِيسَى .

وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا ادَّعَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ : ( أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) أَيْ : أَعْلَمَهَا بِهَا ، كَمَا زَعَمَهُ فِي قَوْلِهِ : ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 45 ] أَيْ : يُعْلِمُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) [ الْقَصَصِ : 86 ] بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا الْكَلِمَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ إِلَى مَرْيَمَ ، فَنَفْخَ فِيهَا بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَكَانَ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ ، حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَالْجَنَّةُ حُقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ " . قَالَ الْوَلِيدُ : فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ جُنَادَةَ زَادَ : " مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ " .

وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ رَشِيدٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ ، بِهِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، بِهِ .

فَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ : ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) كَقَوْلِهِ ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ) [ ص: 480 ] [ الْجَاثِيَةِ : 13 ] أَيْ : مِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ ، وَلَيْسَتْ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ ، كَمَا تَقُولُهُ النَّصَارَى - عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ - بَلْ هِيَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى .

وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ : ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) أَيْ : وَرَسُولٌ مِنْهُ . وَقَالَ غَيْرُهُ . وَمَحَبَّةٌ مِنْهُ . وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ رُوحٍ مَخْلُوقَةٍ ، وَأُضِيفَتِ الرُّوحُ إِلَى اللَّهِ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيفِ ، كَمَا أُضِيفَتِ النَّاقَةُ وَالْبَيْتُ إِلَى اللَّهِ ، فِي قَوْلِهِ : ( هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ ) [ هُودٍ : 64 ] . وَفِي قَوْلِهِ : ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ) [ الْحَجِّ : 26 ] ، وَكَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " فَأَدْخُلُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ " أَضَافَهَا إِلَيْهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ لَهَا ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبِيلٍ وَاحِدٍ وَنَمَطٍ وَاحِدٍ .

وَقَوْلُهُ : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) أَيْ : فَصَدِّقُوا بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ أَحَدٌ ، لَا صَاحِبَةَ لَهُ وَلَا وَلَدَ ، وَاعْلَمُوا وَتَيَقَّنُوا بِأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ) أَيْ : لَا تَجْعَلُوا عِيسَى وَأُمَّهُ مَعَ اللَّهِ شَرِيكَيْنِ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا .

وَهَذِهِ الْآيَةُ وَالَّتِي تَأْتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ) [ الْمَائِدَةِ : 73 ] . وَكَمَا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي [ وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ ] ) الْآيَةَ [ الْمَائِدَةِ : 116 ] ، وَقَالَ فِي أَوَّلِهَا : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) الْآيَةَ [ الْمَائِدَةِ : 72 ] ، فَالنَّصَارَى - عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ - مِنْ جَهْلِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ ضَابِطٌ ، وَلَا لِكُفْرِهِمْ حَدٌّ ، بَلْ أَقْوَالُهُمْ وَضَلَالُهُمْ مُنْتَشِرٌ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ إِلَهًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ شَرِيكًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ وَلَدًا . وَهُمْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ لَهُمْ آرَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَأَقْوَالٌ غَيْرُ مُؤْتَلِفَةٍ ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ حَيْثُ قَالَ : لَوِ اجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنَ النَّصَارَى لَافْتَرَقُوا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا . وَلَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ عُلَمَائِهِمُ الْمَشَاهِيرِ ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ بَطْرِيقَ - بَتْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ - فِي حُدُودِ سَنَةِ أَرْبَعِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ ، أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا الْمَجْمَعَ الْكَبِيرَ الَّذِي عَقَدُوا فِيهِ الْأَمَانَةَ الْكَبِيرَةَ الَّتِي لَهُمْ ، وَإِنَّمَا هِيَ الْخِيَانَةُ الْحَقِيرَةُ الصَّغِيرَةُ ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ قُسْطَنْطِينَ بَانِي الْمَدِينَةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَأَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ اخْتِلَافًا لَا يَنْضَبِطُ وَلَا يَنْحَصِرُ ، فَكَانُوا أَزْيَدَ مِنْ أَلْفَيْنِ أَسْقُفًا ، فَكَانُوا أَحْزَابًا كَثِيرَةً ، كُلُّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ عَلَى مَقَالَةٍ ، وَعِشْرُونَ عَلَى مَقَالَةٍ ، وَمِائَةٌ عَلَى مَقَالَةٍ ، وَسَبْعُونَ عَلَى مَقَالَةٍ ، وَأَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْقَصُ . فَلَمَّا رَأَى عِصَابَةً مِنْهُمْ قَدْ زَادُوا عَلَى الثَّلَاثَمِائَةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَفَرًا ، وَقَدْ تَوَافَقُوا عَلَى مَقَالَةٍ ، فَأَخَذَهَا الْمَلِكُ وَنَصَرَهَا وَأَيَّدَهَا - وَكَانَ فَيْلَسُوفًا ذَا هَيْئَةٍ - وَمَحَقَ مَا عَدَاهَا مِنَ الْأَقْوَالِ ، وَانْتَظَمَ دَسْتُ أُولَئِكَ الثَّلَاثِمِائَةِ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَبُنِيَتْ لَهُمُ الْكَنَائِسُ ، وَوَضَعُوا لَهُمْ كُتُبًا وَقَوَانِينَ ، وَأَحْدَثُوا الْأَمَانَةَ الَّتِي يُلَقِّنُونَهَا الْوِلْدَانَ مِنَ الصِّغَارِ - لِيَعْتَقِدُوهَا - وَيُعَمِّدُونَهُمْ عَلَيْهَا ، وَأَتْبَاعُ هَؤُلَاءِ هُمِ الْمَلَكِيَّةُ . ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا مَجْمَعًا ثَانِيًا فَحَدَثَ فِيهِمِ الْيَعْقُوبِيَّةُ ، ثُمَّ مَجْمَعًا ثَالِثًا فَحَدَثَ فِيهِمُ النُّسْطُورِيَّةُ . وَكُلُّ هَذِهِ الْفِرَقِ تُثْبِتُ الْأَقَانِيمَ الثَّلَاثَةَ فِي الْمَسِيحِ ، وَيَخْتَلِفُونَ فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ وَفِي اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ عَلَى زَعْمِهِمْ ! هَلِ اتَّحَدَا ، أَوْ مَا اتَّحَدَا ، بَلِ امْتَزَجَا أَوْ حَلَّ فِيهِ ؟ عَلَى ثَلَاثِ مَقَالَاتٍ ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُكَفِّرُ الْفِرْقَةَ الْأُخْرَى ، وَنَحْنُ نُكَفِّرُ الثَّلَاثَةَ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ) أَيْ : يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ ( إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ) أَيْ : تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ) [ ص: 481 ] أَيِ : الْجَمِيعُ مِلْكُهُ وَخَلْقُهُ ، وَجَمِيعُ مَا فِيهَا عُبَيْدُهُ ، وَهُمْ تَحْتَ تَدْبِيرِهِ وَتَصْرِيفِهِ ، وَهُوَ وَكِيلٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِنْهُمْ صَاحِبَةٌ أَوْ وَلَدٌ ؟ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [ الْأَنْعَامِ : 101 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . [ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا . إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ] ) [ مَرْيَمَ : 88 : 95 ] .

71لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا

( لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ( 166 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا ( 167 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ( 168 ) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ( 169 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 170 ) )

لَمَّا تَضْمَّنَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) إِلَى آخَرِ السِّيَاقِ ، [ ص: 477 ] إِثْبَاتَ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرَّدَّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ نُبُوَّتَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ ) أَيْ : وَإِنْ كَفَرَ بِهِ مَنْ كَفَرَ بِهِ مِمَّنْ كَذَّبَكَ وَخَالَفَكَ ، فَاللَّهُ يَشْهَدُ لَكَ بِأَنَّكَ رَسُولُهُ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، وَهُوَ : الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [ فُصِّلَتْ : 42 ] ; وَلِهَذَا قَالَ : ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) أَيْ : فِيهِ عِلْمُهُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُطْلِعَ الْعِبَادَ عَلَيْهِ ، مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى وَالْفَرْقَانِ وَمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَمَا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ بِالْغُيُوبِ مِنَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ صِفَاتِهِ تَعَالَى الْمُقَدَّسَةِ ، الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، إِلَّا أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ بِهِ ، كَمَا قَالَ [ تَعَالَى ] ( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) [ الْبَقَرَةِ : 255 ] ، وَقَالَ ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) [ طَهَ : 110 ] .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ الْجَعْفَرِيُّ وَخَزَزُ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَا حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ : أَقْرَأَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلُمِيُّ الْقُرْآنَ ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ عَلَيْهِ أَحَدُنَا الْقُرْآنَ قَالَ : قَدْ أَخَذْتَ عِلْمَ اللَّهِ ، فَلَيْسَ أَحَدٌ الْيَوْمَ أَفْضَلَ مِنْكَ إِلَّا بِعَمَلٍ ، ثُمَّ يَقْرَأُ : ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) وَقَوْلُهُ ( وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ) أَيْ : بِصِدْقِ مَا جَاءَكَ وَأُوحِيَ إِلَيْكَ وَأُنْزِلَ عَلَيْكَ ، مَعَ شَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَ بِذَلِكَ ( وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا )

وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ ، فَقَالَ لَهُمْ : " إِنِّي لَأَعْلَمُ - وَاللَّهِ - إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ " . فَقَالُوا : مَا نَعْلَمُ ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ] ) .

وَقَوْلُهُ : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا ) أَيْ : كَفَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ فَلَمْ يَتَّبِعُوا الْحَقَّ ، وَسَعَوْا فِي صَدِّ النَّاسِ عَنِ اتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ ، قَدْ خَرَجُوا عَنِ الْحَقِّ وَضَلُّوا عَنْهُ ، وَبَعُدُوا مِنْهُ بُعْدًا عَظِيمًا شَاسِعًا .

ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حُكْمِهِ فِي الْكَافِرِينَ بِآيَاتِهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ ، الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ ، وَبِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ وَارْتِكَابِ مَآثِمِهِ وَانْتِهَاكِ مَحَارِمِهِ ، بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ ( وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ) أَيْ : سَبِيلًا إِلَى الْخَيْرِ ( إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ ) وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ] ) .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ) أَيْ : قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ، وَالْبَيَانِ الشَّافِي مِنَ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَآمِنُوا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ وَاتَّبِعُوهُ يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ .

ثُمَّ قَالَ : ( وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أَيْ : فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَعَنْ إِيمَانِكُمْ ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِكُفْرَانِكُمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) [ إِبْرَاهِيمَ : 8 ] وَقَالَ هَاهُنَا : ( وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) أَيْ : بِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْكُمُ الْهِدَايَةَ فَيَهْدِيهِ ، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَوَايَةَ فَيُغْوِيهِ ) حَكِيمًا ) أَيْ : فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ .

70حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ الطَّوِيلُ فِي عَدَدِ الْأَنْبِيَاءِ

حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ الطَّوِيلُ فِي عَدَدِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ :

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفِرْيَابِيِّ إِمْلَاءً فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَحْدَهُ ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالصَّلَاةِ . قَالَ : " الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَاسْتَكْثِرْ أَوِ اسْتَقِلَّ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَسْلَمُ ؟ قَالَ : " مِنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " طُولُ الْقُنُوتِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " فَرْضٌ مُجَزِّئٌ وَعِنْدَ اللَّهِ أَضْعَافٌ كَثِيرَةٌ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " جَهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ ، وَسِرٌّ إِلَى فَقِيرٍ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّ آيَةٍ مَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ أَعْظَمُ [ مِنْهَا ] ؟ قَالَ : " آيَةُ الْكُرْسِيِّ " . ثُمَّ قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، وَمَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمِ الْأَنْبِيَاءُ ؟ قَالَ : " مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا " قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمِ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " ثَلَاثُمِائَةٍ ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جَمٌّ غَفِيرٌ كَثِيرٌ طَيِّبٌ " . قُلْتُ : فَمَنْ كَانَ أَوَّلَهُمْ ؟ قَالَ : " آدَمُ " . قُلْتُ : أَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ، وَسَوَّاهُ قَبِيلًا ثُمَّ قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَرْبَعَةٌ سُرْيَانِيُّونَ : آدَمُ ، وَشِيثٌ ، وَخَنُوخُ - وَهُوَ إِدْرِيسُ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِقَلَمٍ - وَنُوحٌ . وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ : هُودٌ ، وَشُعَيْبٌ ، [ ص: 473 ] وَصَالِحٌ ، وَنَبِيُّكَ يَا أَبَا ذَرٍّ . وَأَوَّلُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى ، وَآخِرُهُمْ عِيسَى . وَأَوَّلُ الرُّسُلِ آدَمُ ، وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمْ كِتَابًا أَنْزَلَهُ اللَّهُ ؟ قَالَ : " مِائَةُ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةُ كُتُبٍ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى شِيثٍ خَمْسِينَ ، صَحِيفَةً ، وَعَلَى خَنُوخَ ثَلَاثِينَ صَحِيفَةً ، وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ عَشْرَ صَحَائِفَ ، وَأَنْزَلَ عَلَى مُوسَى مِنْ قَبْلِ التَّوْرَاةِ عَشْرَ صَحَائِفَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفَرْقَانَ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ ؟ قَالَ : " كَانَتْ كُلُّهَا : يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَلَكِنِّي بَعَثْتُكَ لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنِّي لَا أَرُدَّهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ . وَكَانَ فِيهَا مِثَالٌ : وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ : سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ ، وَسَاعَةٌ يُفَكِّرُ فِي صُنْعِ اللَّهِ ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ . وَعَلَى الْعَاقِلِ أَلَّا يَكُونَ ضَاغِنًا إِلَّا لِثَلَاثٍ : تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ . وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ ، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ ، وَمَنْ حَسِبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى ؟ قَالَ : " كَانَتْ عِبَرًا كُلُّهَا : عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ هُوَ يَفْرَحُ ، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ يَرَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ هُوَ لَا يَعْمَلُ " قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَهَلْ فِي أَيْدِينَا شَيْءٌ مِمَّا فِي أَيْدِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، اقْرَأْ يَا أَبَا ذَرٍّ : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) [ الْأَعْلَى : 14 - 19 ] .

قَالَ : قَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَوْصِنِي . قَالَ : " أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ ، فَإِنَّهُ رَأْسُ أَمْرِكَ " .

قَالَ : قَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زِدْنِي . قَالَ : " عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ، وَذِكْرِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ ذِكْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ ، وَنُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ " .

قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زِدْنِي . قَالَ : " إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ . فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ ، وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ " . قُلْتُ : زِدْنِي . قَالَ : " عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي " . قُلْتُ : زِدْنِي . قَالَ : " عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ ، فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ " .

قُلْتُ : زِدْنِي . قَالَ : " انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ تَحْتَكَ ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ لَكَ أَلَّا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكَ " .

قُلْتُ : زِدْنِي . قَالَ : " أَحْبِبِ الْمَسَاكِينَ وَجَالِسْهُمْ ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرِي نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكَ " . قُلْتُ : زِدْنِي . قَالَ : " صِلْ قَرَابَتَكَ وَإِنْ قُطَعُوكَ " . قُلْتُ : زِدْنِي . قَالَ : " قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا " .

قُلْتُ : زِدْنِي . قَالَ : " لَا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ " .

قُلْتُ : زِدْنِي . قَالَ : " يَرُدُّكَ عَنِ النَّاسِ مَا تَعْرِفُ عَنْ نَفْسِكَ ، وَلَا تَجِدُ عَلَيْهِمْ فِيمَا تُحِبُّ ، وَكَفَى بِكَ عَيْبًا أَنَّ تَعْرِفَ مِنَ النَّاسِ مَا تَجْهَلُ مِنْ نَفْسِكَ . أَوْ تَجِدَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تُحِبُّ " . [ ص: 474 ]

ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ صَدْرِي ، فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ ، وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ ، وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ "

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنْ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ : أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ أَمْرَ الصَّلَاةِ ، وَالصِّيَامِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَفَضْلَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَأَفْضَلَ الشُّهَدَاءِ ، وَأَفْضَلَ الرِّقَابِ ، وَنُبُوَّةَ آدَمَ ، وَأَنَّهُ مُكَلَّمٌ ، وَعَدَدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّهِ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِي بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : هَلْ تَقُولُ الْخَوَارِجُ بِالدَّجَّالِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لَا . فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ ، وَمَا بُعِثَ نَبِيٌّ يُتَّبَعُ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنْهُ ، وَإِنِّي قَدْ بُيِّنَ لِي مَا لَمْ يُبَيَّنْ [ لِأَحَدٍ ] وَإِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَعَيْنُهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ جَاحِظَةٌ لَا تَخْفَى ، كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ ، وَعَيْنُهِ الْيُسْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، مَعَهُ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ ، وَمَعَهُ صُورَةُ الْجَنَّةِ خَضْرَاءُ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ ، وَصُورَةُ النَّارِ سَوْدَاءُ تَدْخُنُ " .

وَقَدْ رُوِّيَنَاهُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي فِيهِ رِوَايَةُ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي أَخْتِمُ أَلْفَ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ ، مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَى قَوْمِهِ إِلَّا حَذَّرَهُمُ الدَّجَّالَ . . . . " وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ ، هَذَا لَفْظُهُ بِزِيَادَةِ " أَلْفٍ " وَقَدْ تَكُونُ مُقْحَمَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَسِيَاقُ رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَثْبَتُ وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ ، وَرِجَالُ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا بَأْسَ بِهِمْ ، وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ :

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَخَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ ، وَإِنِّي قَدْ بُيِّنَ لِي مَا لَمْ يُبَيَّنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَإِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " .

وَقَوْلُهُ : ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) وَهَذَا تَشْرِيفٌ لِمُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، بِهَذِهِ الصِّفَةِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ [ ص: 475 ] لَهُ : الْكِلِيمُ . وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَالِكِيُّ ، حَدَّثَنَا مَسِيحُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَأُ : " وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا قَرَأَ هَذَا إِلَّا كَافِرٌ ، قَرَأْتُ عَلَى الْأَعْمَشِ ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ عَلَى [ يَحْيَى ] بْنِ وَثَّابٍ ، وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) .

وَإِنَّمَا اشْتَدَّ غَضَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، عَلَى مَنْ قَرَأَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ حَرَّفَ لَفْظَ الْقُرْآنِ وَمَعْنَاهُ ، وَكَانَ هَذَا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ أَنْ [ يَكُونَ ] اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَوْ يُكَلِّمُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ ، كَمَا رُوِّينَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ : " وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا " فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ ، فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ) [ الْأَعْرَافِ : 143 ] ، يَعْنِي : أَنَّ هَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّحْرِيفَ وَلَا التَّأْوِيلَ .

وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بَهْرَامَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا هَانِئُ بْنُ يَحْيَى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى كَانَ يُبْصِرُ دَبِيبَ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ " . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَإِسْنَادُهُ لَا يَصِحُّ ، وَإِذَا صَحَّ مَوْقُوفًا كَانَ جَيِّدًا .

وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَعْرَجِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَ عَلَى مُوسَى يَوْمَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ جُبَّةُ صُوفٍ ، وَكِسَاءُ صُوفٍ ، وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ ، وَنَعْلَانِ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ غَيْرِ ذَكِيٍّ " .

وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جُوَيْبِرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ نَاجَى مُوسَى بِمِائَةِ أَلْفِ كَلِمَةٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ كَلِمَةٍ ، فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَصَايَا كُلُّهَا ، فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ مَقَتَهُمْ مِمَّا وَقَعَ فِي مَسَامِعِهِ مِنْ كَلَامِ الرَّبِّ ، عَزَّ وَجَلَّ .

وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ ، فَإِنَّ جُوَيْبِرًا ضَعِيفٌ ، وَالضَّحَّاكُ لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . فَأَمَّا الْأَثَرُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ بْنِ عِيسَى الرَّقَاشِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى يَوْمَ الطُّورِ ، كَلَّمَهُ بِغَيْرِ الْكَلَامِ الَّذِي [ ص: 476 ] كَلَّمَهُ يَوْمَ نَادَاهُ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى : يَا رَبُّ ، هَذَا كَلَامُكَ الَّذِي كَلَّمْتَنِي بِهِ ؟ قَالَ : لَا يَا مُوسَى ، أَنَا كَلَّمْتُكَ بِقُوَّةِ عَشَرَةِ آلَافِ لِسَانٍ ، وَلِي قُوَّةُ الْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا ، وَأَنَا أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ . فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا : يَا مُوسَى ، صِفْ لَنَا كَلَامَ الرَّحْمَنِ . قَالَ : لَا أَسْتَطِيعُهُ . قَالُوا : فَشَّبِهْ لَنَا . قَالَ : أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى صَوْتِ الصَّوَاعِقِ فَإِنَّهَا قَرِيبٌ مِنْهُ ، وَلَيْسَ بِهِ . وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ ، فَإِنَّ الْفَضْلَ هَذَا الرَّقَاشِيَّ ضَعِيفٌ بِمَرَّةٍ .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ جَزْءِ بْنِ جَابِرٍ الْخَثْعَمِيِّ ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ : إِنِ اللَّهَ لَمَّا كَلَّمَ مُوسَى كَلَّمَهُ بِالْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا سِوَى كَلَامِهِ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى يَا رَبُّ ، هَذَا كَلَامُكَ ؟ قَالَ : لَا وَلَوْ كَلَّمْتُكَ بِكَلَامِي لَمْ تَسْتَقِمْ لَهُ . قَالَ : يَا رَبُّ ، فَهَلْ مَنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ يُشْبِهُ كَلَامَكَ ؟ قَالَ : لَا وَأَشَدُّ خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي أَشَدُّ مَا تَسْمَعُونَ مِنَ الصَّوَاعِقِ .

فَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ ، وَهُوَ يَحْكِي عَنِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَفِيهَا الْغَثُّ وَالسَّمِينُ .

وَقَوْلُهُ : ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) أَيْ : يُبَشِّرُونَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَاتَّبَعَ رِضْوَانَهُ بِالْخَيِّرَاتِ ، وَيُنْذِرُونَ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ بِالْعِقَابِ وَالْعَذَابِ .

وَقَوْلُهُ : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) أَيْ : أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ رُسُلَهُ بِالْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ ، وَبَيَّنَ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِمَّا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ ; لِئَلَّا يَبْقَى لِمُعْتَذِرٍ عُذْرٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ) [ طَهَ : 134 ] ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهُمْ [ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ] ) [ الْقَصَصِ : 47 ] .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا أَحَدَ أَغَيْرُ مِنَ اللَّهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ " وَفِي لَفْظٍ : " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ رُسُلَهُ ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ " .

69 إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ

[ ص: 470 ](إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ( 163 ) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ( 164 ) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 165 ) )

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ سُكَيْنُ وَعَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ : يَا مُحَمَّدُ ، مَا نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ مُوسَى . فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) إِلَى آخَرِ الْآيَاتِ .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا الْحَارِثُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ : أَنْزَلَ اللَّهُ : ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ) إِلَى قَوْلِهِ ( وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ) فَمَا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ - يَعْنِي عَلَى الْيَهُودِ - وَأَخْبَرَهُمْ بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ ، جَحَدُوا كُلَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَقَالُوا : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ، وَلَا مُوسَى وَلَا عِيسَى ، وَلَا عَلَى نَبِيٍّ مِنْ شَيْءٍ . قَالَ : فَحَلَّ حَبْوَتَهُ ، وَقَالَ : وَلَا عَلَى أَحَدٍ . . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ) [ الْأَنْعَامِ : 91 ] .

وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ نَظَرٌ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ مَدَنِيَّةٌ ، وَهِيَ رَدٌّ عَلَيْهِمْ لَمَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ ) [ النِّسَاءِ : 153 ] ، ثُمَّ ذَكَرَ فَضَائِحَهُمْ وَمَعَايِبَهُمْ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ الْآنَ مِنَ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ . ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَوْحَى إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، فَقَالَ : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا )

وَالزَّبُورُ : اسْمُ الْكِتَابِ الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَسَنَذْكُرُ تَرْجَمَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ ، عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ [ أَفْضَلُ ] الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، عِنْدَ قَصَصِهِمْ فِي السُّوَرِ الْآتِيَةِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَبِهِ الثِّقَةُ ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ .

وَقَوْلُهُ ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ) أَيْ : مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْآيَةِ ، يَعْنِي : فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَغَيْرِهَا .

وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ نُصَّ عَلَى أَسْمَائِهِمْ فِي الْقُرْآنِ ، وَهُمْ : آدَمُ وَإِدْرِيسُ ، وَنُوحٌ ، وَهُودٌ ، وَصَالِحٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ ، وَلُوطٌ ، وَإِسْمَاعِيلُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَيَعْقُوبُ ، وَيُوسُفُ ، وَأَيُّوبُ ، وَشُعَيْبٌ ، وَمُوسَى ، وَهَارُونُ ، وَيُونُسُ ، وَدَاوُدُ ، وَسُلَيْمَانُ ، وَإِلْيَاسُ ، وَالْيَسَعُ ، وَزَكَرِيَّا ، وَيَحْيَى ، وَعِيسَى [ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ] وَكَذَا ذُو الْكِفْلِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَسَيِّدُهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَقَوْلُهُ : ( وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ) أَيْ : خَلْقًا آخَرِينَ لَمْ يُذْكَرُوا فِي الْقُرْآنِ ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي [ ص: 471 ] عِدَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلُ ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي تَفْسِيرِهِ ، حَيْثُ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمِ الْأَنْبِيَاءُ ؟ قَالَ : " مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمِ الرُّسُلُ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : " ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جَمٌّ غَفِيرٌ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ كَانَ أَوَّلَهُمْ ؟ قَالَ : " آدَمُ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ، ثُمَّ سَوَّاهُ قَبْلًا " . ثُمَّ قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَرْبَعَةٌ سُرْيَانِيُّونَ : آدَمُ ، وَشِيثٌ ، وَنُوحٌ ، وَخَنُوخُ - وَهُوَ إِدْرِيسُ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِقَلَمٍ - وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ : هُودٌ ، وَصَالِحٌ ، وَشُعَيْبٌ ، وَنَبِيُّكَ يَا أَبَا ذَرٍّ ، وَأَوَّلُ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى ، وَآخِرُهُمْ عِيسَى . وَأَوَّلُ النَّبِيِّينَ آدَمُ ، وَآخِرُهُمْ نَبِيُّكَ " .

قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ الْحَافِظُ أَبُو حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ فِي كِتَابِهِ : " الْأَنْوَاعُ وَالتَّقَاسِيمُ " وَقَدْ وَسَمَهُ بِالصِّحَّةِ ، وَخَالَفَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " ، وَاتَّهَمَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ هِشَامٍ هَذَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ، حَدَّثَنَا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، كَمِ الْأَنْبِيَاءُ ؟ قَالَ : " مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا ، مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا " .

مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ السَّلَامِيُّ ضَعِيفٌ ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ ، وَالْقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ أَيْضًا .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْهَرِيُّ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَعَثَ اللَّهُ ثَمَانِيَةَ آلَافِ نَبِيٍّ ، أَرْبَعَةُ آلَافٍ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ إِلَى سَائِرِ النَّاسِ " .

وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ فِيهِ الرَّبَذِيُّ ضَعِيفٌ ، وَشَيْخُهُ الرَّقَاشِيُّ أَضْعَفُ مِنْهُ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ [ ص: 472 ] الْأَنْصَارِيُّ ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَ فِيمَنْ خَلَا مِنْ إِخْوَانِي مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ثَمَانِيَةُ آلَافِ نَبِيٍّ ، ثُمَّ كَانَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، ثُمَّ كُنْتُ أَنَا " .

وَقَدْ رُوِّينَاهُ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، فَأَخْبَرَنِي الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَسَاكِرَ ، أَنْبَأَنَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الصَّفَارُ ، أَخْبَرَتْنَا عَمَّةُ أَبِي ، عَائِشَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ الصَّفَارِ ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو السَّنَابِكِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ حَيْدَرٍ الْقُرَشِيُّ ، حَدَّثَنَا الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَارِقٍ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بُعِثْتُ عَلَى إِثْرِ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافِ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ " . وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ ، رِجَالُهُ كُلُّهُمْ مَعْرُوفُونَ إِلَّا أَحْمَدَ بْنَ طَارِقٍ هَذَا ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا جَرْحٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .