قَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) قَالَتْ : هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ ، هُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ ، حَتَّى فِي الْعَذْقِ ، فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا ، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلًا فَيَشْرَكَهُ فِي مَالِهِ بِمَا شَرِكَتْهُ فَيَعْضُلُهَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ ص: 426 ] بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِنَّ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ) الْآيَةَ ، قَالَتْ : وَالَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْهِمْ فِي الْكِتَابِ الْآيَةُ الْأَوْلَى الَّتِي قَالَ اللَّهُ [ تَعَالَى ] ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) [ النِّسَاءِ : 3 ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) رَغْبَةَ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي حِجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجِمَالِ ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجِمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ ، مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ .
وَأَصْلُهُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ ، بِهِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ فِي حِجْرِهِ يَتِيمَةٌ يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا ، فَتَارَةً يَرْغَبُ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُمْهِرَهَا أُسْوَةَ أَمْثَالِهَا مِنَ النِّسَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيَعْدِلْ إِلَى غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ ، فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى الَّتِي فِي أَوَّلِ السُّورَةِ . وَتَارَةً لَا يَكُونُ لِلرَّجُلِ فِيهَا رَغْبَةٌ لِدَمَامَتِهَا عِنْدَهُ ، أَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعْضِلَهَا عَنِ الْأَزْوَاجِ خَشْيَةَ أَنْ يَشْرَكُوهُ فِي مَالِهِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : ( فِي يَتَامَى النِّسَاءِ [ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ] ) الْآيَةَ ، فَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ ، فَيُلْقِي عَلَيْهَا ثَوْبَهُ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ [ بِهَا ] لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبَدًا ، فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَهَوِيَهَا تَزَوَّجَهَا وَأَكَلَ مَالَهَا ، وَإِنْ كَانَتْ دَمِيمَةً مَنْعَهَا الرِّجَالَ أَبَدًا حَتَّى تَمُوتَ ، فَإِذَا مَاتَتْ وَرِثَهَا . فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ .
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ : ( وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ) كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُورِثُونَ الصِّغَارَ وَلَا الْبَنَاتَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ ) فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَبَيَّنَ لِكُلِّ ذِي سَهْمٍ سَهْمَهُ ، فَقَالَ : ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) [ النِّسَاءِ : 11 ] صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا .
وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ : ( وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ ) كَمَا إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جِمَالٍ وَمَالٍ نَكَحْتَهَا وَاسْتَأْثَرْتَ بِهَا ، كَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ جِمَالٍ وَلَا مَالٍ فَانْكِحْهَا وَاسْتَأْثِرْ بِهَا .
وَقَوْلُهُ : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ) تَهْيِيجٌ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَامْتِثَالُ الْأَمْرِ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَالِمٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ، وَسَيَجْزِي عَلَيْهِ أَوْفَرَ الْجَزَاءِ وَأَتَمَّهُ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق