قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَقَتَادَةُ : سَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ . كَمَا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى مَكْتُوبَةً .
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : سَأَلُوهُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ صُحُفًا مِنَ اللَّهِ مَكْتُوبَةً إِلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ ، بِتَصْدِيقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ . وَهَذَا إِنَّمَا قَالُوهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ وَالْعِنَادِ وَالْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ ، كَمَا سَأَلَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَبْلَهُمْ نَظِيرَ ذَلِكَ ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ " سُبْحَانَ " : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 90 ، 93 ] الْآيَاتِ . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) أَيْ : بِطُغْيَانِهِمْ وَبَغْيِهِمْ ، وَعُتُوِّهِمْ وَعِنَادِهِمْ . وَهَذَا مُفَسَّرٌ فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ . ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [ الْبَقَرَةِ : 55 ، 56 ] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) أَيْ : مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ وَالْأَدِلَّةِ الْقَاهِرَةِ عَلَى يَدِ مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فِي بِلَادِ مِصْرَ وَمَا كَانَ مِنْ إِهْلَاكِ عَدُوِّ اللَّهِ فِرْعَوْنَ وَجَمِيعِ جُنُودِهِ فِي الْيَمِّ ، فَمَا جَاوَزُوهُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى أَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ ، فَقَالُوا لِمُوسَى ( اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] ) [ الْأَعْرَافِ : 138 ، 139 ] . ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ اتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ مَبْسُوطَةً فِي سُورَةِ " الْأَعْرَافِ " ، وَفِي سُورَةِ " طَهَ " بَعْدَ ذَهَابِ مُوسَى إِلَى مُنَاجَاةِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ وَكَانَ مَا كَانَ ، جَعَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ مِنَ الَّذِي صَنَعُوهُ وَابْتَدَعُوهُ : أَنْ يَقْتُلَ مَنْ لَمْ يَعْبُدِ الْعِجْلَ مِنْهُمْ مَنْ عَبَدَهُ ، فَجَعَلَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ ) وَذَلِكَ حِينَ امْتَنَعُوا مِنَ الِالْتِزَامِ بِأَحْكَامِ التَّوْرَاةِ ، وَظَهَرَ مِنْهُمْ إِبَاءٌ عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَرَفَعَ اللَّهُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ جَبَلًا ثُمَّ أُلْزِمُوا فَالْتَزَمُوا وَسَجَدُوا ، وَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى فَوْقِ رُؤُوسِهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يَسْقُطَ عَلَيْهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ] ) [ الْأَعْرَافِ : 171 ] .
[ ص: 448 ]
( وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ) أَيْ : فَخَالَفُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، فَإِنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا بَابَ بَيْتِ الْقُدْسِ سُجَّدًا ، وَهُمْ يَقُولُونَ : حِطَّةٌ . أَيْ : اللَّهُمَّ حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا فِي تَرْكِنَا الْجِهَادَ وَنُكُولِنَا عَنْهُ ، حَتَّى تُهْنَا فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً . فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ ، وَهُمْ يَقُولُونَ : حِنْطَةٌ فِي شَعْرَةٍ .
( وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ) أَيْ : وُصَّيْنَاهُمْ بِحِفْظِ السَّبْتِ وَالْتِزَامِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، مَا دَامَ مَشْرُوعًا لَهُمْ ( وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) أَيْ : شَدِيدًا ، فَخَالَفُوا وَعَصَوْا وَتَحَيَّلُوا عَلَى ارْتِكَابِ مَنَاهِي اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ عِنْدَ قَوْلِهِ : ( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ [ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ] ) [ الْأَعْرَافِ : 163 - 166 ] الْآيَاتِ ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ ، فِي سُورَةِ " سُبْحَانَ " عِنْدَ قَوْلِهِ : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) [ الْإِسْرَاءِ : 101 ] ، وَفِيهِ : " وَعَلَيْكُمْ - خَاصَّةً يَهُودَ - أَلَّا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق