ب بادي 7.

المصحف وورد /رسم القلب الكهربي /تلاوات للقران الكريم /مراجعات الصف الأول الثانوي ترم ثاني /الخلاصة في المراجعات أولي ثانوي تثاني /مدونة اللغة العربية.كتب ومراجع /لغة عربية أولي ثانوي ت2 /ترتيب آيات الذكر الحكيم حسب تاريخ نزوله /تنزيل آيات الذكر /لماذا شرع الله تعالي الطلاق /وصف الجنة والحورالعين /كيف يكون الطلاق وما هي أحكام سورة الطلاق؟ /الكيمياء للصف الأول الثانوي /أحكام عدة النساء وكيفية الطلاق /الحائرون الملتاعون من الطلاق ونار الفراق دين الله أرحم من اختلافات الرجال /مذكرات كل فروع الرياضيات /المصحفُ مكتوباً بصيغة وورد /تقنية النانو /مدونة سورة البقرة /مذكرات مراجعة اللغة الإنجليزية /مذكرة مراجعات الفيزياء أولي ث ترم 2 / سورة النساء.تفسير وأحكام /المصحف مكتوبا ورد آية آية /ة المصاحف /مدونة سورة آل عمران /مدونة الجنة ونعيمها والنار وهول جحيمها /اللغة الألماني للصف الأول الثانوي /التاريخ اولي ثانوي /مذكرات الصف الأول الثانوي /اللغة العربية للصف الاول والثالث الثانوي /الاحياء للصف الأول الثانوي

Translate ترجمة المدونة

الجمعة، 17 فبراير 2017

65 فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ ..

(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ( 155 ) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ( 156 ) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( 157 ) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 158 ) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ( 159 ) )

وَهَذِهِ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا ، مِمَّا أَوْجَبَ لَعْنَتَهُمْ وَطَرْدَهُمْ وَإِبْعَادَهَمْ عَنِ الْهُدَى ، وَهُوَ نَقْضُهُمُ الْمَوَاثِيقَ وَالْعُهُودَ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ ، وَكُفْرُهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ ، أَيْ : حُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ ، وَالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي شَاهَدُوهَا عَلَى أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ .

قَوْلُهُ ( وَقَتْلِهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ إِجْرَامِهِمْ وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا جَمًّا غَفِيرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ [ بِغَيْرِ حَقٍّ ] عَلَيْهِمُ السَّلَامُ .

وَقَوْلِهِمْ : ( قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ : أَيْ فِي غِطَاءٍ . وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ : ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ [ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ] ) [ فُصِّلَتْ : 5 ] . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُمُ ادَّعَوْا أَنَّ قُلُوبَهُمْ غُلُفٌ لِلْعِلْمِ ، أَيْ : أَوْعِيَةٌ لِلْعِلْمِ قَدْ حَوَتْهُ وَحَصَّلَتْهُ . رَوَاهُ الْكَلْبِيُّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .

[ ص: 449 ]

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ) فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَأَنَّهُمْ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ بِأَنَّ قُلُوبَهُمْ لَا تَعِي مَا يَقُولُ ; لِأَنَّهَا فِي غُلْفٍ وَفِي أَكِنَّةٍ ، قَالَ اللَّهُ [ تَعَالَى ] بَلْ هُوَ مَطْبُوعٌ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ . وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي عَكَسَ عَلَيْهِمْ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .

( فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) أَيْ : مَرَدَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ وَقِلَّةِ الْإِيمَانِ .

( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ) قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " يَعْنِي أَنَّهُمْ رَمَوْهَا بِالزِّنَا " . وَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ ، وَجُوَيْبِرٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ . وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنَ الْآيَةِ : أَنَّهُمْ رَمَوْهَا وَابْنَهَا بِالْعَظَائِمِ ، فَجَعَلُوهَا زَانِيَةً ، وَقَدْ حَمَلَتْ بِوَلَدِهَا مِنْ ذَلِكَ - زَادَ بَعْضُهُمْ : وَهِيَ حَائِضٌ - فَعَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

وَقَوْلُهُمْ : ( إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ) أَيْ هَذَا الَّذِي يَدَّعِي لِنَفْسِهِ هَذَا الْمَنْصِبَ قَتَلْنَاهُ . وَهَذَا مِنْهُمْ مَنْ بَابِ التَّهَكُّمِ وَالِاسْتِهْزَاءِ ، كَقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) [ الْحِجْرِ : 6 ] .

وَكَانَ مِنْ خَبَرِ الْيَهُودِ - عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ وَسُخْطِهِ وَغَضَبِهِ وَعِقَابِهِ - أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ، حَسَدُوهُ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ ، الَّتِي كَانَ يُبَرِّئُ بِهَا الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَيُصَوِّرُ مِنَ الطِّينِ طَائِرًا ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا يُشَاهَدُ طَيَرَانُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهَا وَأَجْرَاهَا عَلَى يَدَيْهِ ، وَمَعَ هَذَا كَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ ، وَسَعَوْا فِي أَذَاهُ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُمْ ، حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لَا يُسَاكِنُهُمْ فِي بَلْدَةِ ، بَلْ يُكْثِرُ السِّيَاحَةَ هُوَ وَأُمُّهُ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، ثُمَّ لَمْ يُقْنِعْهُمْ ذَلِكَ حَتَّى سَعَوْا إِلَى مَلِكِ دِمَشْقَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ - وَكَانَ رَجُلًا مُشْرِكًا مِنْ عَبَدَةِ الْكَوَاكِبِ ، وَكَانَ يُقَالُ لِأَهْلِ مِلَّتِهِ : الْيُونَانُ - وَأَنْهُوا إِلَيْهِ : أَنَّ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ رَجُلًا يَفْتِنُ النَّاسَ وَيُضِلُّهُمْ وَيُفْسِدُ عَلَى الْمَلِكِ رَعَايَاهُ . فَغَضِبَ الْمَلِكُ مِنْ هَذَا ، وَكَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ بِالْقُدْسِ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى هَذَا الْمَذْكُورِ ، وَأَنْ يَصْلُبَهُ وَيَضَعَ الشَّوْكَ عَلَى رَأْسِهِ ، وَيَكُفَّ أَذَاهُ عَلَى النَّاسِ . فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ امْتَثَلَ مُتَوَلِّي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ذَلِكَ ، وَذَهَبَ هُوَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي فِيهِ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، اثْنَا عَشَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ - وَقِيلَ : سَبْعَةَ عَشَرَ نَفَرًا - وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَيْلَةَ السَّبْتِ ، فَحَصَرُوهُ هُنَالِكَ . فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ وَأَنَّهُ لَا مَحَالَةَ مِنْ دُخُولِهِمْ عَلَيْهِ ، أَوْ خُرُوجِهِ عَلَيْهِمْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : أَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي ، وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ ؟ فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ شَابٌّ مِنْهُمْ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَصْغَرَهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَعَادَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَنْتَدِبُ إِلَّا ذَلِكَ الشَّابُّ - فَقَالَ : أَنْتَ هُوَ - وَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيسَى ، حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ ، [ ص: 450 ] وَفُتِحَتْ رَوْزَنَةٌ مِنْ سَقْفِ الْبَيْتِ ، وَأَخَذَتْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سِنَةٌ مِنَ النَّوْمِ ، فَرُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، كَمَا قَالَ [ اللَّهُ ] تَعَالَى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ] ) الْآيَةَ [ آلِ عِمْرَانَ : 55 ] .

فَلَمَّا رُفِعَ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ فَلَمَّا رَأَى أُولَئِكَ ذَلِكَ الشَّابَ ظَنُّوا أَنَّهُ عِيسَى ، فَأَخَذُوهُ فِي اللَّيْلِ وَصَلَبُوهُ ، وَوَضَعُوا الشَّوْكَ عَلَى رَأْسِهِ ، فَأَظْهَرَ الْيَهُودُ أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي صَلْبِهِ وَتَبَجَّحُوا بِذَلِكَ ، وَسَلَّمَ لَهُمْ طَوَائِفُ مِنَ النَّصَارَى ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ ، مَا عَدَا مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَعَ الْمَسِيحِ ، فَإِنَّهُمْ شَاهَدُوا رَفْعَهُ ، وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَّ الْيَهُودُ أَنَّ الْمَصْلُوبَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ، حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ مَرْيَمَ جَلَسَتْ تَحْتَ ذَلِكَ الْمَصْلُوبِ وَبَكَتْ ، وَيُقَالُ : إِنَّهُ خَاطَبَهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَهَذَا كُلُّهُ مِنِ امْتِحَانِ اللَّهِ عِبَادَهُ ; لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ ، وَقَدْ أَوْضَحَ اللَّهُ الْأَمْرَ وَجَلَّاهُ وَبَيَّنَهُ وَأَظْهَرَهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ ، الْمُؤَيِّدِ بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ ، فَقَالَ تَعَالَى - وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ ، وَرَبُّ الْعَالَمِينَ ، الْمُطَّلِعُ عَلَى السَّرَائِرِ وَالضَّمَائِرِ ، الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ - : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) أَيْ : رَأَوْا شَبَهَهُ فَظَنُّوهُ إِيَّاهُ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ] ) يَعْنِي بِذَلِكَ : مَنِ ادَّعَى قَتْلَهُ مِنَ الْيَهُودِ ، وَمَنْ سَلَّمَهُ مِنْ جُهَّالِ النَّصَارَى ، كُلُّهُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ وَحَيْرَةٍ وَضَلَالٍ وَسُعُرٍ . وَلِهَذَا قَالَ : ( وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ) أَيْ : وَمَا قَتَلُوهُ مُتَيَقِّنِينَ أَنَّهُ هُوَ ، بَلْ شَاكِّينَ مُتَوَهِّمِينَ . ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) أَيْ مَنِيعَ الْجَنَابِ لَا يُرَامُ جَنَابُهُ ، وَلَا يُضَامُ مَنْ لَاذَ بِبَابِهِ ( حَكِيمًا ) أَيْ : فِي جَمِيعِ مَا يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَخْلُقُهَا وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ ، وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ ، وَالسُّلْطَانُ الْعَظِيمُ ، وَالْأَمْرُ الْقَدِيمُ .

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عِيسَى إِلَى السَّمَاءِ ، خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ - وَفِي الْبَيْتِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْحَوَارِيِّينَ - يَعْنِي : فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ عَيْنٍ فِي الْبَيْتِ ، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ، فَقَالَ : إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يَكْفُرُ بِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً ، بَعْدَ أَنْ آمَنَ بِي . ثُمَّ قَالَ : أَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي ، فَيُقْتَلُ مَكَانِي وَيَكُونَ مَعِي فِي دَرَجَتِي ؟ فَقَامَ شَابٌّ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا ، فَقَالَ لَهُ : اجْلِسْ . ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ ذَلِكَ الشَّابُّ ، فَقَالَ : اجْلِسْ . ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَّابُّ فَقَالَ : أَنَا . فَقَالَ : أَنْتَ هُوَ ذَاكَ . فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسَى وَرُفِعَ عِيسَى مِنْ رَوْزَنَةٍ فِي الْبَيْتِ إِلَى السَّمَاءِ . قَالَ : وَجَاءَ الطَّلَبُ مِنَ الْيَهُودِ فَأَخَذُوا الشَّبَهَ فَقَتَلُوهُ ، ثُمَّ صَلَبُوهُ وَكَفَرَ بِهِ بَعْضُهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً ، بَعْدَ أَنْ آمَنَ بِهِ ، [ ص: 451 ] وَافْتَرَقُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : كَانَ اللَّهُ فِينَا مَا شَاءَ ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ . وَهَؤُلَاءِ الْيَعْقُوبِيَةُ ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : كَانَ فِينَا ابْنُ اللَّهِ مَا شَاءَ ، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ . وَهَؤُلَاءِ النُّسْطُورِيَّةُ ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : كَانَ فِينَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ مَا شَاءَ ، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ . وَهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ ، فَتَظَاهَرَتِ الْكَافِرَتَانِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ ، فَقَتَلُوهَا ، فَلَمْ يَزَلِ الْإِسْلَامُ طَامِسًا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، بِنَحْوِهِ وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلُ مَكَانِي ، وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ ؟

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : أُتِيَ عِيسَى وَعِنْدَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَيْتٍ وَأَحَاطُوا بِهِمْ . فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ صَوَّرَهُمُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كُلَّهُمْ عَلَى صُورَةِ عِيسَى ، فَقَالُوا لَهُمْ : سَحَرْتُمُونَا . لَيَبْرُزَنَّ لَنَا عِيسَى أَوْ لَنَقْتُلَنَّكُمْ جَمِيعًا . فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ : مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ مِنْكُمُ الْيَوْمَ بِالْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : أَنَا . فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ : أَنَا عِيسَى - وَقَدْ صَوَّرَهُ اللَّهُ عَلَى صُورَةِ عِيسَى - فَأَخَذُوهُ وَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ . فَمِنْ ثَمَّ شُبِّهَ لَهُمْ ، فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا عِيسَى ، وَظَنَّتِ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ عِيسَى ، وَرَفَعَ اللَّهُ عِيسَى مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ . وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ جِدًّا . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْبٍ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ : أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَقُولُ : إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ لَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الدُّنْيَا ، جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ وَشَقَّ عَلَيْهِ ، فَدَعَا الْحَوَارِيِّينَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا ، فَقَالَ : احْضُرُونِي اللَّيْلَةَ ، فَإِنَّ لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةً . فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ عَشَّاهُمْ وَقَامَ يَخْدُمُهُمْ . فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ أَخَذَ يَغْسِلُ أَيْدِيَهُمْ وَيُوَضِّئُهُمْ بِيَدِهِ ، وَيَمْسَحُ أَيْدِيَهُمْ بِثِيَابِهِ ، فَتَعَاظَمُوا ذَلِكَ وَتَكَارَهُوهُ ، فَقَالَ : أَلَا مَنْ رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا اللَّيْلَةَ مِمَّا أَصْنَعُ ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُ . فَأَقَرُّوهُ ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : أَمَّا مَا صَنَعْتُ بِكُمُ اللَّيْلَةَ ، مِمَّا خَدَمْتُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ ، وَغَسَلْتُ أَيْدِيَكُمْ بِيَدِي ، فَلْيَكُنْ لَكُمْ بِي أُسْوَةٌ ، فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنِّي خَيْرُكُمْ ، فَلَا يَتَعَظَّمُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَلْيَبْذُلْ بَعْضُكُمْ نَفْسَهُ لِبَعْضٍ ، كَمَا بَذَلْتُ نَفْسِي لَكُمْ . وَأَمَّا حَاجَتِي اللَّيْلَةَ الَّتِي أَسَتَعِينُكُمْ عَلَيْهَا فَتَدْعُونَ لِيَ اللَّهَ ، وَتَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يُؤَخَّرَ أَجَلِي . فَلَمَّا نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلدُّعَاءِ ، وَأَرَادُوا أَنْ يَجْتَهِدُوا ، أَخَذَهُمُ النَّوْمُ حَتَّى لَمْ يَسْتَطِيعُوا دُعَاءً ، فَجَعَلَ يُوقِظُهُمْ وَيَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! أَمَا تَصْبِرُونَ لِي لَيْلَةً وَاحِدَةً تُعِينُونَنِي فِيهَا ؟ قَالُوا : وَاللَّهِ مَا نَدْرِي مَا لَنَا . لَقَدْ كُنَّا نَسْمُرُ فَنُكْثِرُ السَّمَرَ ، وَمَا نُطِيقُ اللَّيْلَةَ سَمَرًا ، وَمَا نُرِيدُ دُعَاءً إِلَّا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ . فَقَالَ : يُذْهَبُ بِالرَّاعِي وَتُفَرَّقُ الْغَنَمُ . وَجَعَلَ يَأْتِي بِكَلَامٍ نَحْوَ هَذَا يَنْعِي بِهِ نَفْسَهُ . ثُمَّ قَالَ : الْحَقُّ ، لَيَكْفُرَنَّ بِي أَحَدُكُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَلَيَبِيعَنِّي أَحَدُكُمْ بِدَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ ، وَلَيَأْكُلَنَّ [ ص: 452 ] ثَمَنِي ، فَخَرَجُوا وَتَفَرَّقُوا ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَطْلُبُهُ ، وَأَخَذُوا شَمْعُونَ أَحَدَ الْحَوَارِيِّينَ ، وَقَالُوا : هَذَا مِنْ أَصْحَابِهِ . فَجَحَدَ وَقَالَ : مَا أَنَا بِصَاحِبِهِ فَتَرَكُوهُ ، ثُمَّ أَخَذَهُ آخَرُونَ ، فَجَحَدَ كَذَلِكَ . ثُمَّ سَمِعَ صَوْتَ دِيكٍ فَبَكَى وَأَحْزَنَهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى أَحَدُ الْحَوَارِيِّينَ إِلَى الْيَهُودِ فَقَالَ : مَا تَجْعَلُونَ لِي إِنْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى الْمَسِيحِ ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا ، فَأَخَذَهَا وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ، وَكَانَ شُبِّهَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَأَخَذُوهُ فَاسْتَوْثَقُوا مِنْهُ ، وَرَبَطُوهُ بِالْحَبْلِ ، وَجَعَلُوا يَقُودُونَهُ وَيَقُولُونَ ، لَهُ : أَنْتَ كُنْتُ تُحْيِي الْمَوْتَى ، وَتَنْهَرُ الشَّيْطَانَ ، وَتُبْرِئُ الْمَجْنُونَ ، أَفَلَا تُنْجِي نَفْسَكَ مِنْ هَذَا الْحَبْلِ ؟ وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ ، وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ الشَّوْكَ ، حَتَّى أَتَوْا بِهِ الْخَشَبَةَ الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يَصْلُبُوهُ عَلَيْهَا ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ، وَصَلَبُوا مَا شُبِّهَ لَهُمْ فَمَكَثَ سَبْعًا .

ثُمَّ إِنْ أَمَّهُ وَالْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَ يُدَاوِيهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَأَبْرَأَهَا اللَّهُ مِنَ الْجُنُونِ ، جَاءَتَا تَبْكِيَانِ حَيْثُ الْمَصْلُوبُ ، فَجَاءَهُمَا عِيسَى فَقَالَ : عَلَامَ تَبْكِيَانِ ؟ فَقَالَتَا : عَلَيْكَ . فَقَالَ : إِنِّي قَدْ رَفَعَنِي اللَّهُ إِلَيْهِ ، وَلَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْرٌ ، وَإِنَّ هَذَا شُبِّهَ لَهُمْ فَأْمُرَا الْحَوَارِيِّينَ يَلْقَوْنِي إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا . فَلَقَوْهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ أَحَدَ عَشَرَ . وَفَقَدُوا الَّذِي كَانَ بَاعَهُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْيَهُودَ ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَصْحَابَهُ فَقَالَ : إِنَّهُ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فَاخْتَنَقَ ، وَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ : لَوْ تَابَ لَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ . ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ غُلَامٍ كَادَ يَتْبَعُهُمْ ، يُقَالُ لَهُ : يَحْيَى ، قَالَ : هُوَ مَعَكُمْ ، فَانْطَلَقُوا ، فَإِنَّهُ سَيُصْبِحُ كُلُّ إِنْسَانٍ يُحَدِّثُ بِلُغَةِ قَوْمِهِ ، فَلْيُنْذِرْهُمْ وَلْيَدَعْهُمْ . سِيَاقٌ غَرِيبٌ جِدًّا .

ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : كَانَ اسْمُ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي بُعِثَ إِلَى عِيسَى لِيَقْتُلَهُ رَجُلًا مِنْهُمْ ، يُقَالُ لَهُ : دَاوُدُ ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا لِذَلِكَ مِنْهُ ، لَمْ يَفْظَعْ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ بِالْمَوْتِ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - فَظَعَهُ وَلَمْ يَجْزَعْ مِنْهُ جَزَعَهُ ، وَلَمْ يَدْعُ اللَّهُ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ دُعَاءَهُ ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - " اللَّهُمَّ إِنَّ كُنْتَ صَارِفًا هَذِهِ الْكَأْسَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَاصْرِفْهَا عَنِّي " وَحَتَّى إِنَّ جِلْدَهُ مِنْ كَرْبِ ذَلِكَ لَيَتَفَصَّدُ دَمًا . فَدَخَلَ - الْمَدْخَلَ الَّذِي أَجْمَعُوا أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ فِيهِ لِيَقْتُلُوهُ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، وَهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِعِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَلَمَّا أَيْقَنَ أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ عَلَيْهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ - وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي وَيُحَنَّسُ أَخُو يَعْقُوبَ ، وَأَنْدَارَبِيسُ ، وَفِيلِبْسُ ، وَأَبْرَثُلْمَا وَمِنَى وَتُومَاسُ ، وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفِيَا ، وَتدَاوسِيسُ ، وَقثَانيَا وَيُودِسُ زَكَرِيَّا يُوطَا .

قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ : قَالَ سَلَمَةُ ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وَكَانَ [ فِيهِمْ فِيمَا ] ذَكَرَ لِي رَجُلٌ اسْمُهُ سِرْجِسُ ، فَكَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا سِوَى عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، جَحَدَتْهُ النَّصَارَى ، وَذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي شُبِّهَ لِلْيَهُودِ مَكَانَ عِيسَى [ عَلَيْهِ السَّلَامُ ] قَالَ : فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ ؟ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشْرَ ، أَوْ كَانَ ثَالِثَ عَشَرَ ، فَجَحَدُوهُ حِينَ أَقَرُّوا لِلْيَهُودِ بِصَلْبِ عِيسَى ، وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْهُ . فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا الْمَدْخَلَ حِينَ دَخَلُوا وَهُمْ بِعِيسَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، وَإِنْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ، فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا الْمَدْخَلَ [ حِينَ دَخَلُوا ] وَهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ . [ ص: 453 ]

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ : أَنَّ عِيسَى حِينَ جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ ، أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ عَلَى أَنْ يُشَبَّهَ لِلْقَوْمِ فِي صُورَتِي ، فَيَقْتُلُوهُ فِي مَكَانِي ؟ فَقَالَ سِرْجِسُ : أَنَا ، يَا رُوحَ اللَّهِ . قَالَ : فَاجْلِسْ فِي مَجْلِسِي . فَجَلَسَ فِيهِ ، وَرُفِعَ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ فَصَلَبُوهُ ، فَكَانَ هُوَ الَّذِي صَلَبُوهُ وَشُبِّهَ لَهُمْ بِهِ ، وَكَانَتْ عِدَّتُهُمْ حِينَ دَخَلُوا مَعَ عِيسَى مَعْلُومَةً ، قَدْ رَأَوْهُمْ وَأَحْصَوْا عِدَّتَهُمْ . فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ لِيَأْخُذُوهُ وَجَدُوا عِيسَى ، فِيمَا يَرَوْنَ وَأَصْحَابَهُ ، وَفَقَدُوا رَجُلًا مِنَ الْعِدَّةِ ، فَهُوَ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكَانُوا لَا يَعْرِفُونَ عِيسَى ، حَتَّى جَعَلُوا لِيُودِسَ زَكَرِيَّا يُوطَا ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يَدُلَّهُمْ عَلَيْهِ وَيُعَرِّفَهُمْ إِيَّاهُ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَيْهِ فَإِنِّي سَأُقَبِّلُهُ ، وَهُوَ الَّذِي أُقَبِّلُ ، فَخُذُوهُ . فَلَمَّا دَخَلُوا وَقَدْ رُفِعَ عِيسَى ، وَرَأَى سِرْجِسَ فِي صُورَةِ عِيسَى ، فَلَمْ يَشْكُكْ أَنَّهُ عِيسَى ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ فَأَخَذُوهُ فَصَلَبُوهُ .

ثُمَّ إِنْ يُودِسَ زَكَرِيَّا يُوطَا نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ ، فَاخْتَنَقَ بِحَبْلٍ حَتَّى قَتَلَ نَفْسَهُ ، وَهُوَ مَلْعُونٌ فِي النَّصَارَى ، وَقَدْ كَانَ أَحَدَ الْمَعْدُودِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَبَعْضُ النَّصَارَى يَزْعُمُ أَنَّ يُودِسَ زَكَرِيَّا يُوطَا هُوَ الَّذِي شُبِّهَ لَهُمْ ، فَصَلَبُوهُ وَهُوَ يَقُولُ : " إِنِّي لَسْتُ بِصَاحِبِكُمْ . أَنَا الَّذِي دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ " . وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : صَلَبُوا رَجُلًا شَبَّهُوهُ بِعِيسَى ، وَرَفَعَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، عِيسَى إِلَى السَّمَاءِ حَيًّا .

وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ شَبَهَ عِيسَى أُلْقِيَ عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِهِ .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا )

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ) يَعْنِي بِعِيسَى ( قَبْلَ مَوْتِهِ ) يَعْنِي : قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى - يُوَجِّهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ جَمِيعَهُمْ يُصَدِّقُونَ بِهِ إِذَا نَزَلَ لِقَتْلِ الدَّجَّالِ ، فَتَصِيرُ الْمِلَلُ كُلُّهَا وَاحِدَةً ، وَهِيَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِيَّةُ ، دِينُ إِبْرَاهِيمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ .

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَالَ : قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ .

وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ : ( إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَالَ : ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا آمَنَ بِهِ . [ ص: 454 ]

وَقَالَ الضَّحَّاكُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) يَعْنِي : الْيَهُودَ خَاصَّةً . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يَعْنِي النَّجَاشِيَّ وَأَصْحَابَهُ . وَرَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ ، عَنِ الْحَسَنِ : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَالَ : قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى . وَاللَّهِ إِنَّهُ الْآنَ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ آمَنُوا بِهِ أَجْمَعُونَ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللَّاحِقِيُّ ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَّةُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَجُلًا قَالَ لِلْحَسَنِ : يَا أَبَا سَعِيدٍ ، قَوْلُ اللَّهِ ، [ عَزَّ وَجَلَّ ] ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَالَ : " قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى . إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ إِلَيْهِ عِيسَى [ إِلَيْهِ ] وَهُوَ بَاعِثُهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَقَامًا يُؤْمِنُ بِهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ " .

وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ .

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ) قَبْلَ مَوْتِ الْكِتَابِيِّ . ذَكَرَ مَنْ كَانَ يُوَجِّهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا عَايَنَ عَلِمَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ لَمْ تَخْرُجْ نَفْسُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ فِي دِينِهِ .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَالَ لَا يَمُوتُ يَهُودِيٌّ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى .

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : ( إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) كُلُّ صَاحِبِ كِتَابٍ يُؤْمِنُ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِهِ - قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِ الْكِتَابِ - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَوْ ضَرَبْتَ عُنُقَهُ لَمْ تَخْرُجْ نَفْسُهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى .

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَا يَمُوتُ الْيَهُودِيُّ حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَلَوْ عُجِّلَ عَلَيْهِ بِالسِّلَاحِ .

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَالَ : هِيَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ : ( قَبْلَ مَوْتِهِمْ ) لَيْسَ يَهُودِيٌّ يَمُوتُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى . قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : أَرَأَيْتَ إِنْ خَرَّ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ ؟ قَالَ : يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي الْهُوِيِّ . فَقِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ ضُرِبَتْ عُنُقُ أَحَدٍ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : يُلَجْلِجُ بِهَا لِسَانُهُ .

وَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَالَ : لَا يَمُوتُ يَهُودِيٌّ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإِنَّ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ تَكَلَّمَ [ ص: 455 ] بِهِ ، قَالَ : وَإِنَّ هَوَى تَكَلَّمَ [ بِهِ ] وَهُوَ يَهْوِي .

وَكَذَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . فَهَذِهِ كُلُّهَا أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكَذَا صَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ . وَبِهِ يَقُولُ الضَّحَّاكُ وَجُوَيْبِرٌ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَحَكَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَنَقَلَ قِرَاءَةَ أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ : " قَبْلَ مَوْتِهِمْ " .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ : ( إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَالَ : لَا يَمُوتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ .

وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَ الْحَسَنِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا أَرَادَهُ هَؤُلَاءِ

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِ الْكِتَابِيِّ .

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :

حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ : قَالَ عِكْرِمَةُ : لَا يَمُوتُ النَّصْرَانِيُّ وَلَا الْيَهُودِيُّ حَتَّى يُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ )

ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إِلَّا آمَنَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ ، رَحِمَهُ [ اللَّهُ ] هُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ سِيَاقِ الْآيِ فِي تَقْرِيرِ بُطْلَانِ مَا ادَّعَتْهُ الْيَهُودُ مِنْ قَتْلِ عِيسَى وَصَلْبِهِ ، وَتَسْلِيمِ مَنْ سَلَّمَ لَهُمْ مِنَ النَّصَارَى الْجَهَلَةِ ذَلِكَ ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا شُبِّهَ لَهُمْ فَقَتَلُوا الشَّبِيهَ وَهُمْ لَا يَتَبَيَّنُونَ ذَلِكَ ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَهُ إِلَيْهِ ، وَإِنَّهُ بَاقٍ حَيٌّ ، وَإِنَّهُ سَيَنْزِلُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ - الَّتِي سَنُورِدُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا - فَيَقْتُلُ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ - يَعْنِي : لَا يَقْبَلُهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ ، بَلْ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ - فَأَخْبَرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَئِذٍ ، وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنِ التَّصْدِيقِ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) أَيْ : قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ، الَّذِي زَعَمَ الْيَهُودُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ النَّصَارَى أَنَّهُ قُتِلَ وَصُلِبَ .

( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) أَيْ : بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي شَاهَدَهَا مِنْهُمْ قَبْلَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ . فَأَمَّا مَنْ فَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ بِأَنَّ الْمَعْنَى : أَنَّ كُلَّ كِتَابِيٍّ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى أَوْ بِمُحَمَّدٍ ، عَلَيْهِمَا [ الصَّلَاةُ وَ ] وَالسَّلَامُ فَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ عِنْدَ احْتِضَارِهِ يَتَجَلَّى لَهُ [ ص: 456 ] مَا كَانَ جَاهِلًا بِهِ ، فَيُؤْمِنُ بِهِ ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِيمَانًا نَافِعًا لَهُ ، إِذَا كَانَ قَدْ شَاهَدَ الْمَلَكَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي [ أَوَّلِ ] هَذِهِ السُّورَةِ : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ] ) الْآيَةَ [ النِّسَاءِ : 18 ] وَقَالَ تَعَالَى : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بَاللَّهِ وَحْدَهُ [ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ] ) الْآيَتَيْنِ [ غَافِرٍ : 84 ، 85 ] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ ، حَيْثُ قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ هَذَا ، لَكَانَ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ أَوْ بِالْمَسِيحِ ، مِمَّنْ كَفَرَ بِهِمَا - يَكُونُ عَلَى دِينِهِمَا ، وَحِينَئِذٍ لَا يَرِثُهُ أَقْرِبَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ . فَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِيمَانِهِ فِي حَالَةٍ لَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : وَلَوْ تَرَدَّى مِنْ شَاهِقٍ أَوْ ضُرِبَ بِسَيْفٍ أَوِ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْمِنَ بِعِيسَى " فَالْإِيمَانُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَاتِ لَيْسَ بِنَافِعٍ ، وَلَا يَنْقُلُ صَاحِبَهُ عَنْ كَفْرِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا جَيِّدًا وَأَمْعَنَ النَّظَرَ ، اتَّضَحَ لَهُ أَنَّ هَذَا ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَاقِعَ ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ هَذَا ، بَلِ الْمُرَادُ بِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْرِيرِ وُجُودِ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَبَقَاءِ حَيَاتِهِ فِي السَّمَاءِ ، وَأَنَّهُ سَيَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ; لِيُكَذِّبَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ تَبَايَنَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيهِ وَتَضَادَّتْ وَتَعَاكَسَتْ وَتَنَاقَضَتْ ، وَخَلَتْ عَنِ الْحَقِّ ، فَفَرَّطَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ وَأَفْرَطَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى : تَنَقَّصَهُ الْيَهُودُ بِمَا رَمَوْهُ بِهِ وَأَمَّهُ مِنَ الْعَظَائِمِ ، وَأَطْرَاهُ النَّصَارَى بِحَيْثُ ادَّعَوْا فِيهِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ ، فَرَفَعُوهُ فِي مُقَابَلَةِ أُولَئِكَ عَنْ مَقَامِ النُّبُوَّةِ إِلَى مَقَامِ الرُّبُوبِيَّةِ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق