وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَبِيبٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سُرِقَ لَهَا شَيْءٌ ، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَيْهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ " . [ ص: 444 ]
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : لَا يَدْعُ عَلَيْهِ ، وَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِ ، وَاسْتَخْرِجْ حَقِّي مِنْهُ . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ : قَدْ أُرْخِصَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : هُوَ الرَّجُلُ يَشْتُمُكَ فَتَشْتُمُهُ ، وَلَكِنْ إِنِ افْتَرَى عَلَيْكَ فَلَا تَفْتَرِ عَلَيْهِ ; لِقَوْلِهِ : ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) [ الشُّورَى : 41 ] .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ " .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَنْبَأَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : ( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) قَالَ : ضَافَ رَجُلٌ رَجُلًا فَلَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ حَقَّ ضِيَافَتِهِ ، فَلَمَّا خَرَجَ أَخْبَرَ النَّاسَ ، فَقَالَ : " ضِفْتُ فُلَانًا فَلَمْ يُؤَدِّ إِلَيَّ حَقَّ ضِيَافَتِي " . فَذَلِكَ الْجَهْرُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مِنْ ظُلِمَ ، حِينَ لَمْ يُؤَدِّ الْآخَرُ إِلَيْهِ حَقَّ ضِيَافَتِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : ( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) قَالَ : قَالَ هُوَ الرَّجُلُ يَنْزِلُ بِالرَّجُلِ فَلَا يُحْسِنُ ضِيَافَتَهُ ، فَيَخْرُجُ فَيَقُولُ : " أَسَاءَ ضِيَافَتِي ، وَلَمْ يُحْسِنْ " . وَفِي رِوَايَةٍ هُوَ الضَّيْفُ الْمُحَوَّلُ رَحْلُهُ ، فَإِنَّهُ يَجْهَرُ لِصَاحِبِهِ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ .
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، نَحْوُ هَذَا . وَقَدْ رَوَى الْجَمَاعَةُ سِوَى النَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ ، مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ - كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَا ، فَمَا تَرَى فِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : " إِذَا نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ ، فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ " .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، سَمِعْتُ أَبَا الْجُودِيِّ يُحَدِّثُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ ، عَنِ الْمِقْدَامِ أَبِي كَرِيمَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " أَيُّمَا مُسْلِمٍ ضَافَ قَوْمًا ، فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا ، فَإِنَّ حَقًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ نَصْرَهُ حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَتِهِ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ " .
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمِقْدَامِ أَبِي كَرِيمَةَ ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ مَحْرُومًا كَانَ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ ، إِنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ " .
ثُمَّ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ . وَعَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ . عَنْ وَكِيعٍ ، وَأَبِي نُعَيْمٍ ، [ ص: 445 ] عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ ، بِهِ . وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، بِهِ .
وَمِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَمْثَالِهَا ذَهَبَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ إِلَى وُجُوبِ الضِّيَافَةِ ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ .
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ; أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنْ لِي جَارًا يُؤْذِينِي ، فَقَالَ لَهُ : " أَخْرِجْ مَتَاعَكَ فَضَعْهُ عَلَى الطَّرِيقِ " . فَأَخَذَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ فَطَرَحَهُ عَلَى الطَّرِيقِ ، فَجَعَلَ كُلُّ مَنْ مَرَّ بِهِ قَالَ : مَالَكَ ؟ قَالَ : جَارِي يُؤْذِينِي . فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ، اللَّهُمَّ أَخْزِهِ ! قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ : ارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ ، وَقَالَ لَا أُوذِيكَ أَبَدًا " .
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ ، عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيَّانَ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ .
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ : لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَرَوَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَوْلُهُ : ( إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) أَيْ : إِنْ تُظْهِرُوا - أَيُّهَا النَّاسُ - خَيْرًا ، أَوْ أَخْفَيْتُمُوهُ ، أَوْ عَفَوْتُمْ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمْ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُقَرِّبُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَيُجْزِلُ ثَوَابَكُمْ لَدَيْهِ ، فَإِنَّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْ عِبَادِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى عِقَابِهِمْ . وَلِهَذَا قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) ; وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ : أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ : سُبْحَانَكَ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ . وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ : سُبْحَانَكَ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ ، وَلَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا ، وَمِنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق