قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ ، وَحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَخَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ سِمَاكٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسُوقُ غَنَمًا لَهُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا : مَا سَلَّمَ عَلَيْنَا إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنَّا . فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ ، وَأَتَوْا بِغَنَمِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ] ) إِلَى آخِرِهَا .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، بِهِ . وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، بِهِ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى وَعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، كِلَاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ ، بِهِ وَقَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ غَيْرِ التَّفْسِيرِ - وَقَدْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَطْ - : وَهَذَا خَبَرٌ عِنْدَنَا [ ص: 384 ] صَحِيحٌ سَنَدُهُ ، وَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبِ الْآخَرِينَ سَقِيمًا ، لِعِلَلٍ مِنْهَا : أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَخْرَجٌ عَنْ سِمَاكٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَمِنْهَا : أَنَّ عِكْرِمَةَ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَهُمْ نَظَرٌ ، وَمِنْهَا : أَنَّ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ الْآيَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أُنْزِلَتْ فِي مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ . وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .
قُلْتُ : وَهَذَا كَلَامٌ غَرِيبٌ ، وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا : أَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ سِمَاكٍ ، حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْكِبَارِ . الثَّانِي : أَنَّ عِكْرِمَةَ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي الصَّحِيحِ . الثَّالِثُ : أَنَّهُ مَرْوِيٌّ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ ، فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ . فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ [ فَأَنْزِلُ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ : ( تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) تِلْكَ الْغُنَيْمَةَ . قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ( السَّلَامَ ) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَحِقَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا فِي غُنَيْمَةٍ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ ] فَنَزَلَتْ : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا )
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، بِهِ
وَأَمَّا قِصَّةُ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِضَمَ ، فَخَرَجْتُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فِيهِمْ : أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيِّ ، وَمُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ بْنِ قَيْسٍ ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ مَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ ، عَلَى قَعُودٍ لَهُ ، مَعَهُ مُتَيَّعٍ وَوَطْبٍ مِنْ لَبَنٍ ، فَلَمَّا مَرَّ بِنَا سَلَّمَ عَلَيْنَا ، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ فَقَتَلَهُ ، بِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، وَأَخَذَ بِعِيرَهُ وَمُتَيْعَهُ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ ، نَزَلَ فِينَا الْقُرْآنُ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ ] خَبِيرًا . )
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ نَافِعٍ ; أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : بَعْثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ مَبْعَثًا ، فَلَقِيَهُمْ عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ ، فَحَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ حِنَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَرَمَاهُ مُحَلِّمٌ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ ، فَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَكَلَّمَ فِيهِ عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ ، فَقَالَ الْأَقْرَعُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سُنَّ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدًا . فَقَالَ عُيَيْنَةُ : لَا وَاللَّهِ ، حَتَّى تَذُوقَ نِسَاؤُهُ مِنَ الثُّكْلِ مَا ذَاقَ نِسَائِي . فَجَاءَ مُحَلِّمٌ فِي بُرْدَيْنِ ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ [ ص: 385 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ " . فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِبُرْدَيْهِ ، فَمَا مَضَتْ لَهُ سَابِعَةٌ حَتَّى مَاتَ ، وَدَفَنُوهُ ، فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ ، فَجَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : " إِنَّ الْأَرْضَ تَقَبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَنْ صَاحَبِكُمْ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ مِنْ حُرْمَتِكُمْ " ثُمَّ طَرَحُوهُ بَيْنَ صَدَفَيْ جَبَلٍ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ ، وَنَزَلْتُ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ) الْآيَةَ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمِقْدَادِ : " إِذَا كَانَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يُخْفِي إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ ، فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ فَقَتَلْتَهُ ، فَكَذَلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تُخْفِي إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ " .
هَكَذَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَلَّقًا مُخْتَصَرًا وَقَدْ رُوِيَ مُطَوَّلًا مَوْصُولًا فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً ، فِيهَا الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، فَلَمَّا أَتَوُا الْقَوْمَ وَجَدُوهُمْ قَدْ تَفَرَّقُوا ، وَبَقِيَ رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لَمْ يَبْرَحْ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . وَأَهْوَى إِلَيْهِ الْمِقْدَادُ فَقَتَلَهُ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : أَقَتَلْتَ رَجُلًا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ وَاللَّهِ لَأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ رَجُلًا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَتَلَهُ الْمِقْدَادُ . فَقَالَ : " ادْعُوَا لِي الْمِقْدَادَ . يَا مِقْدَادُ ، أَقَتَلْتَ رَجُلًا يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَكَيْفَ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ غَدًا ؟ " . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمِقْدَادِ : " كَانَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يُخْفِي إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ ، فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ ، فَقَتَلْتَهُ ، وَكَذَلِكَ كُنْتَ تُخْفِي إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ قُبَلُ " .
وَقَوْلُهُ : ( فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) أَيْ : خَيْرٌ مِمَّا رَغِبْتُمْ فِيهِ مِنْ عَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّذِي حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ مِثْلِ هَذَا الَّذِي أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ ، وَأَظْهَرَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ ، فَتَغَافَلْتُمْ عَنْهُ ، وَاتَّهَمْتُمُوهُ بِالْمُصَانَعَةِ وَالتَّقِيَّةِ ; لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، فَمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمَغَانِمِ الْحَلَّالِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ مَالِ هَذَا .
وَقَوْلُهُ : ( كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ) أَيْ : قَدْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْحَالِ كَهَذَا الَّذِي [ ص: 386 ] يُسِرُّ إِيمَانَهُ وَيُخْفِيهِ مِنْ قَوْمِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ آنِفًا ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ [ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ] ) الْآيَةَ [ الْأَنْفَالِ : 26 ] ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، كَمَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ : ( كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ) تُخْفُونَ إِيمَانَكُمْ فِي الْمُشْرِكِينَ .
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ : ( كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ) تَسْتَخْفُونَ بِإِيمَانِكُمْ ، كَمَا اسْتَخْفَى هَذَا الرَّاعِي بِإِيمَانِهِ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : وَذُكِرَ عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلُهُ : ( كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ) [ تَوَرَّعُونَ عَنْ مَثَلِ هَذَا ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ مَسْرُوقٍ : ( كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ) ] لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [ فَتَبَيَّنُوا ) وَقَالَ السُّدِّيُّ : ( فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ) ] أَيْ : تَابَ عَلَيْكُمْ ، فَحَلَفَ أُسَامَةُ لَا يَقْتُلُ رَجُلًا يَقُولُ : " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " بَعْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ ، وَمَا لَقِيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ .
وَقَوْلُهُ : ( فَتَبَيَّنُوا ) تَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ . وَقَوْلُهُ : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : هَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق