قَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ : آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ : " بَرَاءَةٌ " ، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ ) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ ، قَالَ : فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ - أَوْ قَالَ صُبُّوا عَلَيْهِ - فَعَقِلْتُ فَقُلْتُ : إِنَّهُ لَا يَرِثُنِي إِلَّا كَلَالَةٌ ، فَكَيْفَ الْمِيرَاثُ ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ ، وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، بِهِ . وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ : فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) الْآيَةَ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ - يَعْنِي جَابِرًا - : نَزَلَتْ فِيَّ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) .
وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - ( يَسْتَفْتُونَكَ ) : عَنِ الْكَلَالَةِ قُلْ : اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهَا ، فَدَلَّ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَتْرُوكِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْكَلَالَةِ وَاشْتِقَاقِهَا ، وَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْإِكْلِيلِ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ مِنْ جَوَانِبِهِ ; وَلِهَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ : بِمَنْ يَمُوتُ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ) [ أَيْ مَاتَ ] ( لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) .
وَقَدْ أُشْكِلَ حُكْمُ الْكَلَالَةِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ : الْجَدُّ ، وَالْكَلَالَةُ ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلَالَةِ ، حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ : " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ " .
هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا .
[ ص: 484 ]
طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ [ الْإِمَامُ ] أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ - يَعْنِي ابْنَ مِغْوَلٍ - سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ عَمْرٍو ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَقَالَ : " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ " . فَقَالَ : لَأَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي حُمْرُ النَّعَمِ . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ عُمَرَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَقَالَ : " يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ " . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ، بِهِ . وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الصَّيْفِ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَمَّا أَرْشَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَفَهُّمِهَا - فَإِنَّ فِيهَا كِفَايَةً - نَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَعْنَاهَا ; وَلِهَذَا قَالَ : فَلَأَنْ أَكُونُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي حُمْرُ النَّعَمِ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَقَالَ : " أَلَيْسَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ ؟ " فَنَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ] ) الْآيَةَ . وَقَالَ قَتَادَةُ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : أَلَا إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ " سُورَةِ النِّسَاءِ " فِي شَأْنِ الْفَرَائِضِ ، أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ . وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ أَنْزَلَهَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ . وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا " سُورَةَ النِّسَاءِ " أَنْزَلَهَا فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا " سُورَةَ الْأَنْفَالِ " أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَامِ ، بَعْضِهِمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، مِمَّا جَرَّتِ الرَّحِمُ مِنَ الْعَصَبَةِ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .
ذِكْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهَا وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ :
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ) أَيْ : مَاتَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) [ الْقَصَصِ : 88 ] كُلُّ شَيْءٍ يَفْنَى وَلَا يَبْقَى إِلَّا اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا قَالَ : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [ الرَّحْمَنِ : 26 ، 27 ] .
وَقَوْلُهُ : ( لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَالِدِ ، بَلْ يَكْفِي فِي وُجُودِ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَوَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ . وَلَكِنَّ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَضَاءُ الصِّدِّيقِ : أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا [ ص: 485 ] وَالِدَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ) وَلَوْ كَانَ مَعَهَا أَبٌ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ يَحْجُبُهَا بِالْإِجْمَاعِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَلَا وَالِدَ بِالنَّصِّ عِنْدَ التَّأَمُّلِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ مَعَ الْوَالِدِ ، بَلْ لَيْسَ لَهَا مِيرَاثٌ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ مَكْحُولٍ وَعَطِيَّةَ وَحَمْزَةَ وَرَاشِدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَأَعْطَى الزَّوْجَ النِّصْفَ وَالْأُخْتَ النِّصْفَ . فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِذَلِكَ .
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَيِّتِ تَرَكَ بِنْتًا وَأُخْتًا : إِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِقَوْلِهِ : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ) قَالَ : فَإِذَا تَرَكَ بِنْتًا فَقَدْ تَرَكَ وَلَدًا ، فَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ ، وَخَالَفَهُمَا الْجُمْهُورُ ، فَقَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالْفَرْضِ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ الْآخَرُ بِالتَّعْصِيبِ ، بِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذِهِ نَصْبٌّ أَنْ يُفْرَضَ لَهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَأَمَّا وِرَاثَتُهَا بِالتَّعْصِيبِ ; فَلِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، قَالَ : قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : النِّصْفُ لِلِابْنَةِ ، وَالنِّصْفُ لِلْأُخْتِ . ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ : قَضَى فِينَا وَلَمْ يَذْكُرْ : عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ : سُئِلَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ ، فَقَالَ : لِلِابْنَةِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي . فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ - وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى - فَقَالَ : لَقَدْ ضَلَلْتُ إذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِابْنَةِ النِّصْفَ ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ ، تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ : لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ .
وَقَوْلُهُ : ( وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ) أَيْ : وَالْأَخُ يَرِثُ جَمِيعَ مَا لَهَا إِذَا مَاتَتْ كَلَالَةً ، وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ ، أَيْ : وَلَا وَالِدَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا وَالِدٌ لَمْ يَرِثِ الْأَخُ شَيْئًا ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ مَعَهُ مَنْ لَهُ فَرْضٌ ، صُرِفَ إِلَيْهِ فَرْضُهُ ; كَزَوْجٍ ، أَوْ أَخٍ مِنْ أُمٍّ ، وَصُرِفَ الْبَاقِي إِلَى الْأَخِ ; لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ " .
وَقَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ) أَيْ : فَإِنْ كَانَ لِمَنْ يَمُوتُ كَلَالَةً ، أُخْتَانِ ، فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ ، وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ فِي حُكْمِهِمَا ، وَمِنْ هَاهُنَا أَخَذَ الْجَمَاعَةُ حُكْمَ الْبِنْتَيْنِ كَمَا اسْتُفِيدَ حُكْمُ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْبَنَاتِ ، فِي قَوْلِهِ : ( فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ) .
وَقَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) . هَذَا حُكْمُ الْعَصَبَاتِ مِنَ الْبَنِينَ وَبَنِي الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ إِذَا اجْتَمَعَ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ ، أُعْطِيَ الذَّكَرُ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
[ ص: 486 ]
وَقَوْلُهُ : ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ ) أَيْ : يَفْرِضُ لَكُمْ فَرَائِضَهُ ، وَيَحُدُّ لَكُمْ حُدُودَهُ ، وَيُوَضِّحُ لَكُمْ شَرَائِعَهُ .
وَقَوْلُهُ : ( أَنْ تَضِلُّوا ) أَيْ : لِئَلَّا تَضِلُّوا عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيَانِ . ( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) أَيْ : هُوَ عَالَمٌ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَمَصَالِحِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ لِعِبَادِهِ ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَرَابَاتِ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنَ الْمُتَوَفَّى .
وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ ، أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانُوا فِي مَسِيرٍ ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَأْسُ رَاحِلَةِ عُمَرَ عِنْدَ رِدْفِ رَاحِلَةِ حُذَيْفَةَ . قَالَ : وَنَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) فَلَقَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ ، فَلَقَّاهَا حُذَيْفَةُ عُمَرَ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَ عُمَرُ عَنْهَا حُذَيْفَةَ فَقَالَ : وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحْمَقُ إِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَقَّانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيْتُكَهَا كَمَا لَقَّانِيهَا ، وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا . قَالَ : فَكَانَ عُمَرُ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ بَيَّنْتَهَا لَهُ فَإِنَّهَا لَمْ تُبَيَّنْ لِي .
كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ بِنَحْوِهِ . وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ ابْنِ سِيرِينَ وَحُذَيْفَةَ ، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ فِي : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : " نَزَلَتِ الْكَلَالَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسِيرٍ لَهُ ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا هُوَ بِحُذَيْفَةَ ، وَإِذَا رَأَسُ نَاقَةِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُؤْتَزَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَقَّاهَا إِيَّاهُ ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَقَّاهَا إِيَّاهُ ، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ نَظَرَ عُمَرُ فِي الْكَلَالَةِ ، فَدَعَا حُذَيْفَةَ فَسَأَلَهُ عَنْهَا ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : لَقَدْ لَقَّانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّيْتُكَ كَمَا لَقَّانِي ، وَاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ ، وَوَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَبَدًا .
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ : وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ إِلَّا حُذَيْفَةَ ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ حُذَيْفَةَ إِلَّا هَذَا الطَّرِيقَ ، وَلَا رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ إِلَّا عَبْدُ الْأَعْلَى . وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى .
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدٍ - [ هُوَ ] ابْنُ الْمُسَيَّبِ - أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُوَرِّثُ الْكَلَالَةَ ؟ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ] ) الْآيَةَ ، قَالَ : فَكَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَفْهَمْ . فَقَالَ لِحَفْصَةَ : إِذَا رَأَيْتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْسٍ فَسَلِيهِ عَنْهَا ، فَرَأَتْ مِنْهُ طِيبَ نَفْسٍ فَسَأَلَتْهُ عَنْهَا ، فَقَالَ : " أَبُوكِ ذَكَرَ لَكِ هَذَا ؟ مَا [ ص: 487 ] أَرَى أَبَاكِ يَعْلَمُهَا " . قَالَ : وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ : مَا أَرَانِي أَعْلَمُهَا ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ .
رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ طَاوُسٍ : أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ حَفْصَةَ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ ، فَأَمْلَاهَا عَلَيْهَا فِي كَتِفٍ ، فَقَالَ : " مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا ؟ أَعُمَرُ ؟ مَا أَرَاهُ يُقِيمُهَا ، أَوَمَا تَكْفِيهِ آيَةُ الصَّيْفِ ؟ " قَالَ سُفْيَانُ : وَآيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ ) ، فَلَمَّا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي هِيَ خَاتِمَةُ النِّسَاءِ ، فَأَلْقَى عُمَرُ الْكَتِفَ . كَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَهُوَ مُرْسَلٌ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَثَّامٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : " أَخَذَ عُمَرُ كَتِفًا وَجَمَعَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : لَأَقْضِيَنَّ فِي الْكَلَالَةِ قَضَاءً تُحَدِّثُ بِهِ النِّسَاءُ فِي خُدُورِهِنَّ . فَخَرَجَتْ حِينَئِذٍ حَيَّةٌ مِنَ الْبَيْتِ ، فَتَفَرَّقُوا ، فَقَالَ : لَوْ أَرَادَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ يُتِمَّ هَذَا الْأَمْرَ لَأَتَمَّهُ . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : لَأَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ : مَنِ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ ؟ وَعَنْ قَوْمٍ قَالُوا : نُقِرُّ فِي الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِنَا وَلَا نُؤَدِّيهَا إِلَيْكَ ، أَيَحِلُّ قِتَالُهُمْ ؟ وَعَنِ الْكَلَالَةِ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ . ثُمَّ رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مُرَّةَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : ثَلَاثٌ لَأَنَّ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَهُنَّ لَنَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا : الْخِلَافَةُ ، وَالْكَلَالَةُ ، وَالرِّبَا . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ : سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلَ يُحَدِّثُ ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : الْقَوْلُ مَا قُلْتُ : قُلْتُ : وَمَا قُلْتَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : الْكَلَالَةُ ، مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : اخْتَلَفْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْكَلَالَةِ ، وَالْقَوْلُ مَا قُلْتُ . قَالَ : وَذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ شَرَكَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلِلْأُمِّ ، وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي الثُّلُثِ إِذَا اجْتَمَعُوا ، وَخَالَفَهُ أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
[ ص: 488 ]
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيُّ ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي الْجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا ، فَمَكَثَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا فَأَمْضِهِ ، حَتَّى إِذَا طَعِنَ دَعَا بِكِتَابٍ فَمُحِيَ ، وَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَا كَتَبَ فِيهِ . فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ كَتَبْتُ فِي الْجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا ، وَكُنْتُ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ فِيهِ ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَتْرُكَكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : إِنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ أُخَالِفَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ . وَكَأَنَّ أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : هُوَ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ ، فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ . وَقَوْلُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ قَاطِبَةً ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ، كَمَا أَرْشَدَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَوَضَّحَهُ فِي قَوْلِهِ : ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق